تأمل في نور الذات
وتجربة الحب
في غفلة من صمت
العالم، انبثق في صدره حب خرج من رحم النور، هو استدعاء من جهة لا ترى، كان يراه
قبل أن يراه، يشعر به قبل أن يلمسه، كأن الوجود نفسه كان يتدرب على نطقه منذ
الأزل.
مضى في دربه مؤمنا أن
المحبة وعي صاف، وأن الكائن الآخر امتداد لجوهره، صورة في مراة الوعي تناديه
ليكتمل.
سنوات حارب فيها
المعنى بما فيه من تعب ووجد، قدم قلبه قربانا على مذبح الوصل، وحين بلغ من صدقه حد
الشفافية، غاب الآخر.
هو لم يرحل فحسب، بل
جرد اللحظة من معناها، تركه تائه في جغرافيا الصمت، يتلمس ملامح الوجود بعد أن
انطفأ الضوء الذي كان يفسر له الأشياء، تكسر داخله كمن سقط من عتبة الوعي إلى عتمة
اللاشيء، انطفأت اللغة، وتحول الزمن إلى غرفة مغلقة، لا نوافذ فيها سوى أنين متكرر
يشبه نبضا فقد معناه، لكنه، في أقصى الانطفاء، رأى الشرارة الصغيرة التي تنجو من
الرماد، فعرف أن الخسارة ليست نهاية،وانما هي بداية تجربة تطهر الذات من التعلق.
ألقى بنفسه في بحر
العلم، يحفر المعنى من الكتب كما تستخرج اللآلئ من العتمة، سكنه الشغف بالمعرفة
حتى صار وعيه مرصدا لكل فكرة تعبر الوجود، درس حتى ذاب في الفهم، وحين استعاد وعيه
بذاته، أدرك أن الحب لم يمت، إنما تغير موضعه، صار طاقة تسقي روحه...
حين عاد الغائب
معتذرا، لم يعد في صدره سوى سكينة العارف، رأى الملامح نفسها، غير أن المعنى تغير،
فالعين التي عرفت الحقيقة لا تعود لتألف القيد، ابتسم دون غضب ولا شوق، ومضى تاركا
الباب مفتوحا للريح كي تمحو الأثر.
ومنذ تلك اللحظة، صار
الحب عنده تجربة فينومينولوجية خالصة.. حضور للمعنى داخل الذات، صار يرى العالم
كما يرى في صفائه الأول، بلا وسائط، بلا وعد مكسور، وبلا حاجة إلى أن يصدق أحد.
وأما الآخر، فظل
يطارده في فضاء بلا جسد، يحاول أن يقترب من صورة لم تعد تقيم في الزمن.
اماهو، كلما لمح ظله،
يبتسم بهدوء ويواصل السير، لقد أدرك أن النور حين يعاد اكتشافه في الداخل، لا
يغويه أي نداء من الخارج.
انف

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق