‏إظهار الرسائل ذات التسميات ثقافات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ثقافات. إظهار كافة الرسائل

تأملات في ذهب الخريف، بقلم: Hamid Koorachi

 







تأملات في ذهب الخريف

يفيق الخريف على المدينة محاطًا بضباب فضي يشد إليه الصباح الباكر بأذرع هادئة. الشمس تطل بخجل، كأنها ابتسامة مرهقة بعد ليالٍ طويلة من الأحزان، تُلقي أشعتها على أوراق الأشجار التي اختلطت ألوانها بين الأصفر والأخضر. تبدو الأوراق كما لو أنها مشبعة بصمت الجراح، تبث في الروح تأملاً ممزوجًا بالأسى والعمق. الرياح تمر بلطف، تعزف لحناً شجيًا بين الأغصان، وكأنه وداع غير مكتمل، بينما تتراقص الأوراق في حركات عشوائية لكنها ساحرة، لتسكن في النهاية على الأرصفة المعتنقة للصمت الهادئ

خطوات تدوس فوق الذكريات، وكأنها تمحو أثراً لا يُمحى. المارة يندفعون على الأرصفة، أقدامهم تسابق الزمن، تطأ أوراق الشجر المتناثرة بلا اكتراث، وكأنهم يتجاوزون شظايا حكايات صامتة تجثو تحت أقدامهم. لو أنهم أدركوا أن كل ورقة ساقطة ليست مجرد هشيم يجرفه الخريف، بل نبضة استقرت طويلاً في قلب شجرة، ثم تساقطت برفق لتحضنها الأرض التي تعرف سرها، لربما خففوا وطء خطواتهم وأعاروها شيئًا من الحنان أو الاحترام.

الحافلات والقطارات تسير بخطى رتيبة فوق طرق المدينة، تحمل معها أجسادًا متعبة وعقولًا منهكة، أرهقها سهر الليل والعمل الدائم. يحدوهم صمت طويل يرتوي منه الرجاء في راحة قصيرة وسكينة غامضة. ومع ذلك، تتنفس المدينة بيوم جديد، تفتح صفحات الفجر لتعيد دوران آلاتها وأصوات أقدام لا تهدأ، تسير بلا توقف نحو حلم آخر لا يزال بعيد المنال.

أما أنا، فيقف بصري حائرًا على تلك الأوراق التي تتراقص بين زوايا الطرقات. أدرك أن الخريف هنا ليس فصلاً للذبول أو مدخلًا للنسيان؛ بل حديث صامت يحمل بين أنفاسه رسائل أبدية للبقاء، وأطيافًا من الآمال المختبئة بين برودة ريح المدينة الصاخبة التي لا تسكن يومًا.


حكاية عمر بقلم Lou Dji

 




تجلس على عتبة الوقت، تتكئ على صمت أثقل من ذاكرة الجدران، وتحدّق في نافذة تطلّ على الفراغ الذي خلفه الغياب، بين يديها هاتف أكله الصدأ، ينتظر رنّة تُعيد إلى الأيام نبضها، وإلى العمر معنى الانتظار.

كلّ شيء حولها يوحي بالقدم، غير أنّ الانتظار جديد كلّ صباح، يولد معها حين تفتح عينيها على غيمة من الذكرى، وتشيّع مساءها بنظرة معلّقة في أفق لا يأتي.

 يمرّ الزمن أمامها ببطء، يجرّ خطواته فوق بلاط القلب المتعب، وهي تنصت إلى الصمت كأنّه رسالة مؤجلة من ماض أبى أن يُفصح.

في وجهها أخاديدُ حكاية حفرتها السنين بإبرةِ الوحدة، وفي نظرتها وهج روح لم تستسلم بعدُ لتيبّس الحنين.

 كم من مرّة وعدها الغياب بالعودة، ثم مضى نحو مجهول لا يعرف الرجوع؟ وكم من رنّة كاذبة أوهمتها بأنّ على الطرف الآخرِ قلبا ما زال يتذكّر اسمها؟

صارت النافذة مرآة الروح، والزجاج يغشاها رماد المواسم. خلفه غابة من الفقد، تتعرّى أغصانها كلّما مدت عينيها نحو الأفق، ويد مضمومة تحت الذقن تروي حكاية قلب ساجد تعب من السؤال.

هكذا يتحول العمر إلى حوار صامت مع الغياب، وإلى يقين بأنّ الأشياء تفنى، غير أنّ الذكرى تبقى تتنفّس في الزوايا الباردة، هناك، بين سكون الجدران وأنين الهاتف العتيق، تنسج العجوز حوارا مع اللامرئي، وتستظلّ بظلّ الذين رحلوا، علها تظفر بنداء من وراء الغياب، أو تنهيدة تقنعها بأنّ الانتظار صلاة، وإن تأخر الوحي.

      Lou Dji  🏻


البيت .. صديقي البيت بعيد جدا بقلم مهدي مصطفى

 




البيت.. صديقي البيت بعيد جدا

عند الباب تغني

السيدة الهرمهْ

كنت شقيا..

أخلع أرديتي..

أُصبح آدم في اليوم الأول..

كانت جارتنا الابنة الصغرى للرجل المتجول في الليل.

تتراقص وتمثل دورا عن حواء

وكما سمعت من شيخ الجامع

يا ابن الهالك.

قال الجد الراكب فوق حمار أبلق.

قالت أم البنت الملعونة

اقتربت آخرتي

قال الجد.. إن زمانا يتقلب..

اللعنة..

سوف نمر سريعا دون مشاهدة الغابة..

ابتسمت أم البنت من التورية الفاحشة لجد ينتظر المائة الأخرى.


قراءة في صورة بقلم: لو جي

 




ينفتح الرأس على مصراعيه، فتغدو الفكرة بابا إلى فضاء لا حد له، هناك حيث تتهاوى الجدران الحجرية التي شيدها الخوف حول الوعي، وحيث تنكشف الصحراء الممتدة في باطن الإنسان، تلك التي خبأت في رمالها بقايا صرخاته الأولى وارتعاشات طفولته المنسية.

 ينفجر الجدار الصامت فيتحرر الضوء من ظلمة الفكر، ويخطو نحو الداخل، إذ لم يعد الخارج سوى انعكاس مشوه لما يعتمل في الأعماق.

تتساقط الأقنعة الموروثة عن جيل خائف من الحقيقة، وتبدأ رحلة الانكشاف نحو الذات التي تهدمت لتبنى من جديد فوق أنقاضها.. تتقدم الروح في ممر من الأبواب المفتوحة على السر، تسأل الوجود عن معناها فيجيبها الصمت بحكمة لا تقال.

 هناك تتغير الحدود بين العدم والكون، فيغدو الفكر محرابا للصلاة، ويغدو الشك طريقا إلى يقين لا يزول، وفي اللحظة التي يلتقي فيها الضوء بالظل، يدرك الإنسان أن الخلاص ليس في الفرار من ذاته، بل في اقتحامها، وأن الباب المفتوح في جمجمته ليس مخرجا إلى العالم، إنما هو عودة إلى جوهر كان غائبا عنه منذ الأزل.

    🏻 Lou Dji


العالم الافتراضي بقلم: انفاس الحروف

 


يعيش الإنسان اليوم في شبكة عنكبوتية من المعلومات والصور والرسائل،تمتد خيوطها في كل زاوية من الفكر والقلب، تشدّ الانتباه وتختنق معها اللحظة،تملأ العقل بأصوات متقاطعة، فتتبدد القدرة على الصمت الداخلي، وتصبح العزلة شعورا يختبئ بين الخيوط نفسها.

تسحبنا هذه الشبكة في دواماتها، تجعلنا نبحث عن الدفء في عوالم افتراضية،نلتقط الملامح بين وجوه مصنوعة من بيانات، نغرف المعنى من زمن جفّت فيه ينابيع الحس،فتتحوّل اللحظة إلى شظية معلقة بين الخيوط، تتأرجح بين الوجود والافتعال، بين التواصل الحقيقي والوهم الرقمي.

ومع مرور الوقت، يصبح الإنسان امتدادا للشبكة

يتلاشى الصوت الداخلي أمام صخب العالم،وتصبح الأفكار رهينة الروابط المتشابكة، والمشاعر معلقة بين إشعارات وحركات افتراضية،فتتسلل العزلة إلى أعماق النفس، وتصبح الوحدة حقيقة مألوفة في صخب الاتصال المستمر.

ولكن في لحظة من الوعي،عند إغلاق الشاشة،

تنفك الخيوط عن العقل والقلب، فتكشف عن الفراغ الذي يختزن المعنى،وتصبح العزلة فسحة لاكتشاف الذات، وتستعيد الروح تنفسها بين خيوط صافية،فتتحول الشبكة، التي كانت فخا يلتهم اللحظة، إلى مساحة لفهم النفس والوجود،ويصبح الحاضر لحظة امتداد بين الضوء والظل، بين الاتصال والفردية، بين العالم الداخلي والخارجي.

انفاس الحروف Lou dji


Featured Post

ماذا بعد؟..بقلم: راتب كوبايا

ثقافات