عرشُ الغياب..
الأرملةُ… ليست امرأةً فقدت زوجًا، بل روحٌ فقدت نصف أنفاسها، تمشي في
الطرقات كأنها تسند الغياب على كتفها.
هي امرأةٌ خُلقت من صبرٍ وصلابةٍ ودمعٍ متجمّدٍ على أطراف الذاكرة، تخيطُ
الألمَ بخيوط الدعاء، وتُربي أبناءها على ظلّ رجلٍ غاب ولم يغب.
في عينيها بحرٌ من الوداع لم يجفّ بعد، وفي قلبها وطنٌ صغير اسمه الوفاء.
الأرملة ليست ضعيفة… بل هي امرأةٌ تحرسُ الموتَ بالحياة، وتزرعُ الأمل في
تربة الفقد..
الأرملةُ... كوكبٌ فقدَ شمسه، ومع ذلك يظلّ يُضيء بنورٍ مستعارٍ من
الإيمان.
تسيرُ بين الناس بخطًى هادئة، لكنّ في صدرها عاصفةٌ من الحنين لا تهدأ.
تخفي وجعها خلف ابتسامةٍ خجولة، كأنها تعتذر للحياة عن بقائها بعده.
حين تنظرُ إلى السماء، تشعرُ أن الغيمَ يحمل ملامحه، وأن الريحَ تمرُّ
حاملةً صوته.
هي امرأةٌ تعلّمت أن تخبّئ الدموع في جيب الصبر، وأن تزرع الرجاء في تربة
الغياب في ليلها الطويل، تسامرُ الذكرى كصديقةٍ عنيدةٍ لا ترحل.
تكتبُ له على وسادةٍ صامتة: “نمْ مطمئنًّا، فالأمان ما زال يسكن بي” ..
وحين يضحك أبناؤها، ترى فيهم ظلَّه يعودُ للحياة.
الأرملةُ ليست كسرًا، بل قصيدةٌ كُتبت بالحبر والدمع معًا ؛ هي التي تُكملُ
رواية الحبّ بعد فصل الموت، وتُعيد ترتيب الفقد ليصبح جمالًا.
تمشي كأنّها صلاةٌ مؤجّلة، وكأنّ الحزنَ تاجٌ من نور؛لا تشتكي، لأنّها
أدركت أن الحزنَ عبادةُ الصامتين، في عيونها حكمةُ الأرض بعد المطر، وفي قلبها
عناقٌ أبديّ بين الغياب والبقاء.
الأرملة… ليست نهاية الحكاية، بل بدايةُ الخلود في ذاكرة الوفاء.
قلم: ابراهيم ميزي-الجزائر
.jpg)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق