هايكو بقلم: أحمد العكش

 



أُوْلَى الهَزَائِمِ

تُطْفِئُ الشَّمْسُ آخِرَ أَمَلٍ،

السَّمَاءُ صَامِتَةٌ.


أُوْلَى الهَزَائِمِ

رَعْدٌ يُزَاحِمُ نَبْضَ الوَرْدِ،

المَطَرُ يَنْدُبُ الحُلْمَ.


أُوْلَى الهَزَائِمِ

نَظْرَةٌ تَشُقُّ صَمْتِي،

يَسْقُطُ القَلَمُ.


أُوْلَى الهَزَائِمِ

مَنْفًى يُرَافِقُ كُلَّ جَنَاحٍ،

طُيُورٌ تَحْلُمُ بِالوَطَنِ.

 

..احمد العكش..



الدهشة بقلم: سعيد العكيشي

 



الدهشة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حين تقف أمام فاتنةٍ،

...وأنت مصفَّدٌ بجمالِها،

ضريرٌ من الحياء،

ممتلئٌ بالرهبة،

خاليٌ من الفطنة،

فاقدٌ للغة.

الدهشة،

حين تُسقِط فاتنةٌ أخرى

قطعةً من حبلِ غسيلها؛

ربما عنوةً،

وربما مصادفةً...

فتناديك،

لتعيدها،

أو لتدسَّ رقمَ هاتفِها في يدك.

الدهشة،

حين تتذكّر أنك أعمى،

وأن عينيك نسيتَهما

في جسدِ الفاتنة

التي مرّت أمامك للتوّ.

الدهشة،

أن تجمعَ لحظةٌ واحدةٌ فاتنتين

بذلك الدلال،

فتجعلان مشاعرك تطوف حولهما

في ساحةِ ذاكرتك الكبيرة.

تستيقظ الرغبةُ النائمةُ فيك،

ولا تجد الأحجيةَ التي تُقنع قلبك

بأن الحياء لم يتلقَّ تدريبًا

لخوضِ حربٍ كهذه.

الدهشة،

وأنت تحاول كتابةَ قصيدةِ الدهشة؛

تلفُّ اللغةُ حبلَ المجازِ حول عنقك،

وتعلّقك على جذعِ الخيال...

لكنّك لا تموت،

ولا تموت القصيدة؛

بل تأتيك بعد حملٍ شاقٍّ

وولادةٍ متعسّرة.

دهشةُ الدهشة،

أن تفقد وعيك

في مفترقِ دهشاتٍ كثيرة.

سعيد العكيشي / اليمن


ابن العاصفة بقلم: سعيد ابراهيم زعلوك


 

ابن العاصفة

🖊️ سعيد ابراهيم زعلوك

في الثامن عشر من يوليو

كان الليل يعيد ترتيب الغيم على هيئة رجفة

والسحب تلقي خطبا غبارية فوق المدى

عاصفة...

دخلت البيت قبل القابلة

وصحت...

فاِهتز الباب الطيني

كأن الريح تبارك ما لم تفهمه الجارات بعد

قالت امي:

> "ولدت في توقيت

تغلق فيه السماء سجل الاعمال

وتفتح بوابة القدر"

قالوا:

> "ولد في غبار العتمة!

اي بركة تنزل فوق صدر القرية الصغيرة؟"

ولكن امي

رأت في وجهي

وجها يشبه الغفران

ان نزل من جبل مكسور

كنت اذا سرت، ارتجف الحائط

واذا بكيت

فاض الحنين على سجادة الوقت

المطرز بانفاس الطفولة

كنت اعبر

بين الساعات بلا ظل

فمن اين يأتي كل هذا النبض؟

ومن اين يأخذني الله حين اغيب عن نفسي؟

لي من غضب الريح وشوشة

ومن سكون الرمال يقين قديم

يهدأ في صدري

كنبض نخلة

تتعلم الصمت قبل الغنج

لست قاسيا...

لكني لا اضع قلبي على راحة الغرباء

ولا اهب وجهي لمن لا يقرأ ملامحه

اليوم...

لا اطفئ شمعة

ولا اعدد السنوات التي ذابت مني

ولكني...

اتذكر تلك الليلة كلما مال الغيوم

واتذكر وجه امي

حين قالت لي:

> "انت...

هبة السكون في زمن الصخب

وابن العاصفة التي استأذنت

قبل ان تهب"

واليوم يشبهني...

نصفه حلم

ونصفه وقت يتعلم كيف يحزن

امشي على اطراف صوتي

لا اخاف من الغيم

فالعاصفة التي جاءت بي

ما زالت تسكن عيني

وان سالوني: من انا؟

قلت:

انا صورة البدء

حين تخفف من غباره

وابن الام التي لم تخف من السماء

وابن العاصفة التي...

ما زالت تهب في الداخل


تعب الوعي… حين تصبح الروح ساحة حرب بقلم: رانية مرجية




تعب الوعي… حين تصبح الروح ساحة حرب

بقلم: رانية مرجية

يقول لي بصوتٍ خافتٍ كأنّه يخاف من صدى نفسه:

“الأدوية تجعلني أنام كثيرًا، لكنني لا أستيقظ حقًا. أعيش بين نومٍ ونصف يقظة، بين هدوءٍ مزيّف وغضبٍ يتربص بي من الداخل.”

كان يتحدث عن دوائه كما يتحدث أحدنا عن سجنٍ جميلٍ بنوافذ مفتوحة. الأدوية لا تقتل الألم، بل تروّضه؛ تُسكِت الوحش لكنها تُميت الفراشة أيضًا.

هو شاب يعاني من إعاقة ذهنية تطورية، لكنّني كلّما أصغي إليه، أشعر أن الإعاقة الحقيقية تسكننا نحن — نحن الذين نحتاج دواءً من نوعٍ آخر: دواءً يوقظ إنسانيتنا التي خَدّرها الخوف والتصنيف.

العنف بوصفه صرخة الضعف

أحيانًا يتحوّل إلى عاصفةٍ صغيرة: يرمي الأشياء، يصرخ، يضرب الهواء كما لو كان يقاتل جدارًا غير مرئي.

لكن حين تهدأ العاصفة، ينهار مثل طفلٍ خائفٍ من نفسه.

في تلك اللحظة أدرك أن العنف، بالنسبة إليه، ليس شرًّا بل نداءٌ استغاثة. هو لغة الجسد حين يخونه الكلام، ولغة الروح حين تُمنع من التعبير.

كم منّا نحن “الأسوياء” نخفي عنفنا في جُملٍ مهذبة، أو في قراراتٍ باردة تُميت قلوب الآخرين؟ هو لا يعرف الزيف، لذلك يصرخ حين يتألم، ويبكي حين يخاف، ويضحك حين يرى عصفورًا يمرّ من نافذته. كم هو نقيّ هذا الجنون!

الدواء كعبء فلسفي

كلّ قرصٍ يتناوله هو مفاوضة بين الجسد والروح.

الدواء يعده بالهدوء، لكنّ الثمن باهظ: شعورٌ دائمٌ بالتعب، نومٌ كثيفٌ لا يشفى منه، وموتٌ بطيءٌ للرغبة في الحياة.

من المفارقات أن الطبّ الذي يسعى إلى “تعديل السلوك” قد يطفئ في الإنسان جوهره — ذلك الشرر الغامض الذي يجعله مختلفًا، متوهجًا، حيًّا.

في عينيه أرى سؤالًا لا يقال:

“هل يريدون أن أكون هادئًا… أم ميتًا؟”

الحرية كعلاجٍ لا يُوصف

حين سألته ذات يوم:

“ما الذي تريده؟”

قال ببساطةٍ جارحة:

“أريد أن أنام دون خوف، وأن أستيقظ دون أن يأمرني أحد بما أفعل.”

كلماتٌ قصيرة، لكنها تختصر معضلة الإنسان منذ فجر الوعي: أن يحيا وفق صوته الداخلي، لا وفق وصفةٍ دوائية أو نظامٍ اجتماعي.

ربما كانت الحرية هي أعظم علاجٍ يمكن أن يُمنح لإنسانٍ مُتعبٍ من القوالب.

الوعي المرهق والعالم الأعمى

أحيانًا أفكر: من الذي يعاني فعلًا من اضطرابٍ تطوّري؟

هو الذي يحاول أن يتصالح مع نفسه رغم إعاقته؟ أم نحن، الذين نهرع نحو كل ما يخدّرنا عن مواجهة ذواتنا؟

نحن نأخذ أقراصًا معنوية كل يوم — أقراص الشهرة، العمل، الاستهلاك، الأقنعة الاجتماعية. كلّنا نحيا على مهدئات من نوعٍ آخر.

هذا الشاب الذي يرقد نصف عمره في النوم، يوقظ فينا أسئلةً عميقة حول المعنى.

لقد جعلني أدرك أن الإنسانية ليست في الكمال، بل في القدرة على البقاء رغم النقص.

أن الجمال ليس في السلوك المهذب، بل في الصدق — ذلك الصدق الخام الذي لا يُغلف بالعقلانية.

ختامًا: إنقاذ الإنسان من “العلاج”

نحن نعيش في زمنٍ يُقدّس الإنتاج ويحتقر الضعف.

كل من لا يواكب “السرعة” يُوصم بأنه مريض، أو ناقص، أو يحتاج إلى تعديلٍ كي يصبح “طبيعيًا”.

لكن من قال إن الطبيعية يجب أن تكون نسخة واحدة من الإنسان؟

ذلك الشاب الذي أنهكه الدواء علّمني درسًا في الوجود:

أنّ الوعي، حين يتعب، لا يعني النهاية. بل يعني أنك عشت بما يكفي لتشعر بكلّ شيءٍ بعمقٍ مؤلم.

وأنّ أكثر البشر “اختلالًا” ربما هم أكثرنا صدقًا، لأنهم لم يتعلموا بعد كيف يزيّفون أرواحهم.

لقد أرهقته الأدوية، نعم — لكنها لم تُطفئ نوره.

وما بقي من ذلك النور، يكفي ليذكّرنا جميعًا بأننا بشر.

ولعلّ هذا وحده… هو المعجز 

شمس الليل الوحيدة بقلم: مهدي مصطفى


 

شمس الليل الوحيدة

كالبرقِ تلمع في الليالي كالوميضْ

يهذي: بما قالت بما سكتتْ

بما شهقتْ بما رقصتْ بما همستْ حلالا أو حراما..

لتكنْ لياليها بعيدةْ

لتكنْ مدينتُها قريبةْ

لكأنه الهذيان باسم حبيبةٍ مجنونةٍ

لكأنه السفرُ الطويلُ بلا وصولْ

شمسْ الغريبِ تغيّبتْ

تركتْه مجنونا يصارعُ في المتاهةِ وحده،

يتصيّد الكلماتِ من قمحٍ قديمْ


Featured Post

ماذا بعد؟..بقلم: راتب كوبايا

ثقافات