تعب الوعي… حين تصبح الروح ساحة حرب بقلم: رانية مرجية




تعب الوعي… حين تصبح الروح ساحة حرب

بقلم: رانية مرجية

يقول لي بصوتٍ خافتٍ كأنّه يخاف من صدى نفسه:

“الأدوية تجعلني أنام كثيرًا، لكنني لا أستيقظ حقًا. أعيش بين نومٍ ونصف يقظة، بين هدوءٍ مزيّف وغضبٍ يتربص بي من الداخل.”

كان يتحدث عن دوائه كما يتحدث أحدنا عن سجنٍ جميلٍ بنوافذ مفتوحة. الأدوية لا تقتل الألم، بل تروّضه؛ تُسكِت الوحش لكنها تُميت الفراشة أيضًا.

هو شاب يعاني من إعاقة ذهنية تطورية، لكنّني كلّما أصغي إليه، أشعر أن الإعاقة الحقيقية تسكننا نحن — نحن الذين نحتاج دواءً من نوعٍ آخر: دواءً يوقظ إنسانيتنا التي خَدّرها الخوف والتصنيف.

العنف بوصفه صرخة الضعف

أحيانًا يتحوّل إلى عاصفةٍ صغيرة: يرمي الأشياء، يصرخ، يضرب الهواء كما لو كان يقاتل جدارًا غير مرئي.

لكن حين تهدأ العاصفة، ينهار مثل طفلٍ خائفٍ من نفسه.

في تلك اللحظة أدرك أن العنف، بالنسبة إليه، ليس شرًّا بل نداءٌ استغاثة. هو لغة الجسد حين يخونه الكلام، ولغة الروح حين تُمنع من التعبير.

كم منّا نحن “الأسوياء” نخفي عنفنا في جُملٍ مهذبة، أو في قراراتٍ باردة تُميت قلوب الآخرين؟ هو لا يعرف الزيف، لذلك يصرخ حين يتألم، ويبكي حين يخاف، ويضحك حين يرى عصفورًا يمرّ من نافذته. كم هو نقيّ هذا الجنون!

الدواء كعبء فلسفي

كلّ قرصٍ يتناوله هو مفاوضة بين الجسد والروح.

الدواء يعده بالهدوء، لكنّ الثمن باهظ: شعورٌ دائمٌ بالتعب، نومٌ كثيفٌ لا يشفى منه، وموتٌ بطيءٌ للرغبة في الحياة.

من المفارقات أن الطبّ الذي يسعى إلى “تعديل السلوك” قد يطفئ في الإنسان جوهره — ذلك الشرر الغامض الذي يجعله مختلفًا، متوهجًا، حيًّا.

في عينيه أرى سؤالًا لا يقال:

“هل يريدون أن أكون هادئًا… أم ميتًا؟”

الحرية كعلاجٍ لا يُوصف

حين سألته ذات يوم:

“ما الذي تريده؟”

قال ببساطةٍ جارحة:

“أريد أن أنام دون خوف، وأن أستيقظ دون أن يأمرني أحد بما أفعل.”

كلماتٌ قصيرة، لكنها تختصر معضلة الإنسان منذ فجر الوعي: أن يحيا وفق صوته الداخلي، لا وفق وصفةٍ دوائية أو نظامٍ اجتماعي.

ربما كانت الحرية هي أعظم علاجٍ يمكن أن يُمنح لإنسانٍ مُتعبٍ من القوالب.

الوعي المرهق والعالم الأعمى

أحيانًا أفكر: من الذي يعاني فعلًا من اضطرابٍ تطوّري؟

هو الذي يحاول أن يتصالح مع نفسه رغم إعاقته؟ أم نحن، الذين نهرع نحو كل ما يخدّرنا عن مواجهة ذواتنا؟

نحن نأخذ أقراصًا معنوية كل يوم — أقراص الشهرة، العمل، الاستهلاك، الأقنعة الاجتماعية. كلّنا نحيا على مهدئات من نوعٍ آخر.

هذا الشاب الذي يرقد نصف عمره في النوم، يوقظ فينا أسئلةً عميقة حول المعنى.

لقد جعلني أدرك أن الإنسانية ليست في الكمال، بل في القدرة على البقاء رغم النقص.

أن الجمال ليس في السلوك المهذب، بل في الصدق — ذلك الصدق الخام الذي لا يُغلف بالعقلانية.

ختامًا: إنقاذ الإنسان من “العلاج”

نحن نعيش في زمنٍ يُقدّس الإنتاج ويحتقر الضعف.

كل من لا يواكب “السرعة” يُوصم بأنه مريض، أو ناقص، أو يحتاج إلى تعديلٍ كي يصبح “طبيعيًا”.

لكن من قال إن الطبيعية يجب أن تكون نسخة واحدة من الإنسان؟

ذلك الشاب الذي أنهكه الدواء علّمني درسًا في الوجود:

أنّ الوعي، حين يتعب، لا يعني النهاية. بل يعني أنك عشت بما يكفي لتشعر بكلّ شيءٍ بعمقٍ مؤلم.

وأنّ أكثر البشر “اختلالًا” ربما هم أكثرنا صدقًا، لأنهم لم يتعلموا بعد كيف يزيّفون أرواحهم.

لقد أرهقته الأدوية، نعم — لكنها لم تُطفئ نوره.

وما بقي من ذلك النور، يكفي ليذكّرنا جميعًا بأننا بشر.

ولعلّ هذا وحده… هو المعجز 

شمس الليل الوحيدة بقلم: مهدي مصطفى


 

شمس الليل الوحيدة

كالبرقِ تلمع في الليالي كالوميضْ

يهذي: بما قالت بما سكتتْ

بما شهقتْ بما رقصتْ بما همستْ حلالا أو حراما..

لتكنْ لياليها بعيدةْ

لتكنْ مدينتُها قريبةْ

لكأنه الهذيان باسم حبيبةٍ مجنونةٍ

لكأنه السفرُ الطويلُ بلا وصولْ

شمسْ الغريبِ تغيّبتْ

تركتْه مجنونا يصارعُ في المتاهةِ وحده،

يتصيّد الكلماتِ من قمحٍ قديمْ


هايكو: بقلم عفاف اندراوس

 



حدائق مهجورة

يمر الشوق سريعا

ذكريات الأمس


حدائق مهجورة

تضاء بنجوم الليل

سماء بلا قمر


حدائق مهجورة

يحركها الريح عبثا

قصائدي القديمة


عفاف إندراوس


وحدك أنت بقلم: كمال مناع عيسى





وحدك أنت

كلهن نساء مفترضات
وحدك أنت الحقيقة
علامة فارقة في دربي
بعد طول انتظار
كنت جدائل الياسمين وزهر والأقحوان
ومازلت تسكنين نهاري شمسا
أيتها المعجونة بتذكارات الحب
أيلول يسكب في عينيك طقوس البدايات
كلهن نساء مفترضات
وحدك مروج السوسن والبيلسان
بعد الجذب والتصحر
يامن تعلمت في عينيها طقس الحب
وأسرار الحضارة وأنسنة التعب
أهكذا يولد الشعر ياعسلية العينان
أحبك رقيتي من كل إنس وجان

وحدك أنت الحقيقة والبقية مفترضات 

سندريلا بقلم: رضا الشايب



سندريلا
عندما جعلت الظروف منك سندريلا، الخوف
فلا هرب ولا فر. فالكون كله سجن كبير وأنتِ طفلة سلاحها البراءة. سلبوا منك رغد الطفولة، ظننا أنكِ سندريلا عمياء.
قصة قصيرة
رضا الشايب  🇪🇬 مصر

Reda Elshayb 

Featured Post

ماذا بعد؟..بقلم: راتب كوبايا

ثقافات