َعلى رَصِيفِ
الِانْتِظَار
عِنْدَ آخِرِ
مَحَطَّةٍ؛ يُوجَدُ مَقْهَى الْغِيَابِ.
كُلُّ الزَّبَائِن
هُنَاكَ مُصَابُون بِلعْنةِ الِانْتِظَارِ؛ يَرْتَشِفُون قَهْوَة الْحَنِينِ
وَيتلذَّذُون بِمرارتِها.
ذَاتَ يَوْم، بَيْنَمَا كُنْتُ جَالِسَةً عَلَى
مَقْعَدِيَ الَّذِي اعْتَادَ عَلَى جُلُوسِي عَلَيْهِ؛ حَتَّى صَارَ يُخْبِرُ مَنْ
وَدَّ أَنْ يَعْتَلِيَهُ أَنَّهُ مَقْعَدِي، أَتَى شَابٌ أَسْمَر اللوْن؛ مُتوَسط
الْقَامَةِ؛ ذُو ملامحَ عَصفت بِهَا الْحيَاة. جلس عَلَى مَقْعَدٍ فِي زَاوِيَةٍ
مُقَابلَ الزَّاوِيَةِ الَّتِي أَنْزَوِي فِيهَا، طَلَبَ قَهْوَةَ "حَنِينٍ
زِيَادَةٍ".
أَشْعَلَ سِيجَارَتَهُ المَلعُونة التِي عَبَأَ
دُخَانُهَا كُل الْمَقْهَى
وَكَأَنَّهُ نَاقِصٌ لَعَنَاتٍ...!
كُنْتُ أُرَاقِبُهُ مِنْ زَاوِيَتِي، تَارَةً
يَستنشِقُ دُخَانَ سِيجَارَتِهِ وَطَوْرًا يَرْفَع رَأسَهُ إِلَى السقف وَيَنْفُخُ
دُخَانَهَا وَيَأْخُذُ رَشْفَةً مِنْ قَهْوَتِهِ. هَلَكَت السيجَارَة وَلَمْ
يَبْقَ سِوَى مَا بَيْنَ سَبابَتِهِ وَوَسَطَاهُ
رَخَى الْقَبْضَةَ وَأَلْقَى بِمَا بَقِيَ عَلَى
الْأَرْضِ وَدَاسَ عَلَيْهَا حَتَّى صَارَتْ فُتَاتًا
عدَّلَ جِلستَهُ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى خدهِ،
وَأندَهقتْ عَيْنَاهُ دَمْعًا
يَبْدُو أَنهُ شَرَدَ بِأَفْكَارِهِ إِلَى
زَمَانٍ مَضَى، لَمْ يَبْقَ مِنْهُ سِوَى الذكْرَيَاتِ
رَأَيْتُ فِي عَيْنَيْهِ مَقبَرتيْن؛ دفنَ
فِيهَا أَحلَامهُ وَأَمانِيَهُ وَحَبِيبَةً خَائِنَة
مَكْتُوبٌ عَلَى
جَفْنَيْهِ قَصَص مَنْ وَارَى عَلَيْهِمْ دَمْعُهُ
لَمْ أَسْتَطِع قِراءةَ القِصَّةِ كَامِلَة
لِبُهْتِ جَفْنَيْهِ
قَرَأت فقط أَنهُ كَان ضحِيَّةً بَيْنَ
الْأَحْلَامِ وَالْوَاقِعِ
كَانَ يُحِبُّ
وَالِدَتَهُ وَوَالِدَهُ وَإِخْوَتَهُ وحَبِيبَتَهُ. كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُوَفِّرَ
لِوَالدِهِ حَيَاةً رَاغِدَة
كان يُرِيدُ أَنْ يَمْسِكَ يَدَ حَبِيبَتِهِ
حَتَّى النِّهَايَة
حبيبته التي أخبرته
عِند آخر لقاء قبل عشرة أعوام أنها مسافرة وستعود بعد بضعة أشهر ولم تَعُد
انتصرت عليه الظروف
وعاش يتخبط في مأساتهِ..




