"قهوتي.. وأنتِ" بقلم: زيد رشيد

 



 "قهوتي.. وأنتِ"

 

نصٌّ يقطّر دفئًا بين فنجانين

 

المكان : مقهى قديم

الزمان : صباح شتائي ممطر.

 

ثمّة مقاهٍ لا تُشرب فيها القهوة

بل يُحتسى العمر فيها...

كما وثمة امرأة كلّما تأخّرت

أزهرت الطاولة عطراً

والمقاعد انتظار

**************

إلى التي...

لم تأتِ تمامًا

لكنها جاءت من حيث لا يُتوقّع الحضور...

إلى عطرها الذي سبقها

وظلّها الذي جلس مقابلي

وذكرى غيابها التي ملأت المقهى...

 

"وهكذا..

كُتبت الحكاية،

لا بالحبر، بل بالحنين."

 

وفي ذاتِ الحنين ،

كانا  يتنفسّان من رئةٍ واحدة ،

ويختنقان من وفرة الأمل ..

 

اللهفة؟

كانت كأنها الساعة الأخيرة قبل القيامة ..

 

والمقهى ،

كان شاهدًا على بعثٍ من نوعٍ خاص ..

 

لم يكن لقاءً ،

بل كان نهوضَ جُثَّتين من تحت رماد الذكرى ،

كأنّ كلّ فنجانٍ كانَ قبرًا ،

وكلّ نظرةٍ، ضوءَ نبوءة ..

.

.

.

.

.

بحنينٍ قديم ،

وذات فجرٍ مُبتلٍّ ،

دخل هو إلى المقهى ،

كمن يدخلُ طقوسَ اعترافٍ سرّي ..

 

جلس على الطاولة رقم (سبعة)

ذات الطاولة

التي شهدت على تقلبات قلبه

أكثر من كل نساء المدينة ..

 

أخرج دفتره

ورمى عليه نظراتٍ مليئةً بالخسارات

وكتب أول سطر

"هي التي لم تأتِ ...

لكنها ملأت المقعد المجاور بعطرِها ،

وجلستْ في قهوتي دون استئذان" ..

 

أشعل سيجارته لا ليُدخِّن ،

بل ليشعر أنّ شيئًا يحترق سواه ..

 

كأنّه يحاول أن يتذكّر طعم صوتها ،

أو كيف كانت تمشي كأنّ الأرض تُحبّ خطواتها ..

 

ثم قالت له النادلة ،

وكأنها تقرأ عينيه ،

“أهي التي تنتظرها كل صباح؟”

أومأ دون أن يرد ،

فالأنثى التي يعشقها لا تُذكر باللسان ،

بل تُصلى في القلب ..

 

وفجأةً

فتحت الباب

ودخلت كغيمةٍ نادمةٍ على تأخّر المطر

كأنّها تعتذر من كل لحظةِ قلقٍ نسجها لأجلها ..

 

ابتسمتْ...

وجلستْ...

وكأن العالم اختصر كل جنونه ،

بين فنجانين ونظرتين ..

 

وهنا، بدأت الحكاية تُكتَب بينهما ... بالشعر ..

 

اومأ قائلا ،

 

أبحثُ عنها في فنجاني ،

في ظلّ غيومٍ تتكسّرْ ..

في رائحةِ قهوةِ فجري ،

تتنفّسُ أنثى لا تُنكرْ ..

 

فردت قائله ،

 

قد جئتُ إليكَ بلا موعدْ ،

والشوقُ على وجهي يُسفِرْ ..

في بالي قُبلةُ عينيكَ ،

تُسكتُ نبضي إلى إنْ تَسحرْ ..

 

رد قائلا ،

 

كُنتُ أراكِ على أهدابي ،

ضوءًا من شَمسٍ يتَكسّرْ ..

ويذوبُ الحرفُ إذا جئتِ ،

ويثورُ الحبرُ ليُخَبّرْ ..

 

فقالت ،

 

أنا عطشى .. كزُهورِ النَومِ ،

لقُبلةِ صبحٍ يتفجّرْ ..

إن شئتَ ، أغنّي في صمتكْ ،

وأنامُ على جفنٍ يُسهرْ ..

 

رد بشجن ،

 

تعالي نتركُ هذا الوقتْ ،

ونعودُ لحُلمٍ لا يُكسرْ ..

يدُكِ بيدي .. والكونُ أنا ،

وأنتِ الدفءُ إذا ما أُجهرْ ..

 

فختمت برقةٍ ،

 

أتيتُك لا تسألْ كيف ومتى ،

ولا من أيّ دربٍ أسفَرْ ..

كأنّ المقهى من عينيكْ ،

وكأنّك قهوتي الأجمرْ ..

 

أسهم عينيه بعيدا وهمس

إليكِ —

هذا الدفتر الذي كتبته عنكِ

كأنني أكتب لكِ

وكأنكِ ستقرأين

 

في كلّ صباحٍ يشبهكِ

كنتُ أدخلُ المقهى

كنتُ أبحثُ عنكِ

بين دخان سيجارتي

بين رفّة الستارة حين تمرُّ نسمةٌ لا تحملكِ...

 

لم تكوني هناك،

لكنّكِ كنتِ في كلّ شيء.

وهذه الصفحات...

ليست نصوصًا

بل محاولاتٌ فاشلة

لا أعرف إن كنتُ كتبتُها حقًا،

أم أنها كانت تكتبني بين فواصل الصمت.

 

كانت تجلس في المقعد المقابل

تترك أثر شفتيها على الفنجان،

وتنسى حقيبتها

لم تأتِ يومًا بكامل حضورها،

لكنها جلست في قهوتي دون استئذان،

وتركت لي عطرًا لا يفنى،

ورسالةً مطوية تحت الفنجان:

أنا أيضًا كنتُ أبحث عنك

لكنني خفتُ أن تجدني

 

وما زال النادل لا يمسح الطاولة رقم (٧)...

لأن هناك عاشقًا يعود كلّ صباح،

يشرب قهوته وينتظرها

ويعلم يقينا انها.......

كانت هنا


هايكو يا عازف الليل بقلم: محمد منصور الموسى

 

   



ياعازف الليل،

صوتك نسيمٌ عابر،

أرواحٌ تتفتح.

ياعازف الليل،

مطرُ قلبك هادئٌ،

السكوتُ يرقص.

ياعازف الليل،

وترٌ على الغيمِ يتلوى،

مدينةٌ تبكي.

ياعازف الليل،

همسُك فوق الماء يسير،

القمرُ يصغي.

محمد منصور الموسى

 اللوحة للفنان:  Fabian Perez

ما عاد يجدي بكاؤنا بقلم: بوبكر رواغة



ما عاد يجدي بكاؤنا

ما عاد يجدي الرقص في الحفلات

ما عاد يجدي نواحنا

وكذا التذمّر في الخلوات

ما عاد يجدي غناؤنا

أو صدى ما يذاع  في القنوات

ما عاد يجدي صراخنا

أو خُطب المنابر والبزّات

ما عاد يجدي فغزّة

صارت وليمة الطعنات

لا السلم بات يهمّهم

لا الذي ذهب.. لا الآتي

الكل بات مهرولا

للطعن في الظلمات!!

بوبكر رواغة 

بيان القراءة الوجدانية المضيئة بقلم زيد رشيد



بيان القراءة الوجدانية المضيئة


🌷إهداء🌷

إلى النصوص التي أحببتها حتى الألم

إلى الحروف التي سكبتُ عليها قلبي حتى تفتّحت

إلى الأرواح التي كتبت نفسها بي

ثم غابت وبقيتُ أبحث عنها في ظلال اللغة

إليكم أيها الرفاق الخفيّون في دروب الحبر

أهدي هذا البيان الذي ليس مقالًا

بل صلاةٌ في معبد الجمال

واعتراف عاشقٍ لم يعرف يومًا كيف يقرأ دون أن يَحترق

---

🌸تمهيد🌸

القراءة الوجدانية المضيئة ليست منهجًا نقديًا بالمعنى الأكاديمي، بل حالة روحية فكرية، يتجاوز فيها القارئ حدود التحليل إلى فضاء التجلّي.

إنها قراءة تُمارس بالقلب لا بالعقل، وبالحدس لا بالمقاييس.

القارئ فيها لا يقف خارج النص، بل يدخل إليه كما يدخل الضوء إلى الزجاج، يذوب فيه حتى يصير منه وفيه.

في هذا الفضاء، النص ليس موضوعًا للدرس، بل كائن حي نتواشج معه، نسمع أنفاسه، ونتلمّس وجعه وفرحه.

القراءة هنا فعل وجودي يعيد للغة روحها، وللكلمة سحرها الأول، ويجعل من القارئ شريكًا في عملية الخلق، لا مجرد متلقٍ أو محلل.

القراءة الوجدانية المضيئة هي لقاء بين روحين:

روح الكاتب التي سكبت ذاتها في الحرف، وروح القارئ التي تأتي لتوقظه من سكونه.

وفي لحظة الاندماج تلك، يولد نص ثالث، لا هو نص الكاتب ولا هو نص القارئ، بل هو النص المضيء:

ذلك البرق الذي يحدث حين يلتقي الإحساس بالفهم، والدهشة بالمعرفة، والعشق بالوعي.

---

🌹🌹نص البيان🌹🌹

أنا لا أقرأ النصوص كما تُقرأ الكتب، بل كما تُصغى الهمسات في العتمة.

حين أفتح صفحة، لا أفتح ورقًا، بل أفتح بابًا إلى روح أخرى.

أدخل النص كما يدخل المسافر إلى معبد لا يعرف صلاته بعد،

وأترك قلبي يتتبع أثر الحرف حتى يبلّغه إلى نبع الدهشة.

أنا لا أحلل النص، بل أسكنه.

أضع أذن الروح على نبض كلماته، وأصغي إلى ما لم يُقل،

إلى الحرف الذي اختنق قبل أن يُكتب،

وإلى المسافة الصامتة بين الجمل، حيث تنام نية الكاتب كطفل خجول.

حين أقرأ، أخلع جلدي، وأرتدي لغة الكاتب.

أصير ظله، أنفاسه، وجعه، خيبته، وابتسامته التي خبأها في نقطة آخر السطر.

أحاوره كما يحاور العاشق محبوبه: بصمت، بخوف، وبحب لا يريد أن يفهم بل أن يعيش.

إن القراءة عندي ليست فعلاً معرفيًا، بل طقس وجودي.

ليست بحثًا عن المعنى، بل سعيًا إلى الدهشة الأولى،

إلى تلك اللحظة التي تتفتح فيها اللغة كزهرة على جرح قديم.

حين أتورط في النص، لا أعود قارئًا.

أتحول إلى كائن يكتب من داخل النص، لا من خارجه.

أشارك الكاتب لحظة ولادته، وأتألم معه في مخاض الجملة،

وحين يصرخ الحرف، أصرخ معه.

أكتب قراءتي كمن يكمّل النفس الذي انقطع.

لا أشرح النص، بل ألدُه من جديد.

وفي كل ولادة كهذه، يولد نص آخر،

يحاكي النص الأصلي بالدهشة،

وأحيانًا يتجاوزه، لأن الوليد يرث روح أبيه ويضيف إليها شغف الحياة.

القراءة الوجدانية المضيئة هي عبور من الفهم إلى الوجود.

أن أقرأ يعني أن أتجلى في النص،

أن أضيء اللغة من داخلها حتى تصير مرآة للروح.

أن أرى الكاتب كما يرى الله خليقته:

بكل ضعفها، بكل جلالها، بكل احتمالاتها غير المكتملة.

أنا لا أبحث عن المعنى، بل عن صوته وهو يتكوّن.

أصغي إلى الكلمة وهي تحاول أن تصير حياة،

وأرافقها حتى تبلغ الضوء.

وحين تنطفئ، أضع عليها وردة القراءة — لا بوصفها تأبينًا، بل بعثًا آخر.

في النهاية، أنا لا أكتب نقدًا،

بل أشارك النص في خلوده.

أذوب في حروفه حتى يصير الحرف جسدي، والمعنى دمي،

وأغادره كما يغادر المتصوف صلاته:

ممتلئًا بالسكينة، ومبتلىً بالوعي.

القراءة عندي فعل حب خالص،

أعانق فيه النص حتى أتلاشى فيه،

وأرى الله في اللغة، والإنسان في الحرف،

وأستعيد نفسي من وهج الجمال.

 

سأُبقي الباب مفتوحًا بقلم: محمد أحمد




سأُبقي الباب مفتوحًا
والشباكَ مفتوحًا
و جرحي
لأجلكِ سأبقيهِ
 مفتوحًا
كي تدخلي منه
كُلما تأخرتي
 اسمي
 سأُفتح فيهِ حرفين 
وأغلق الباقي
حتى تأتين انتِ
وتضعي مكان كل حرفٍ
مُغلقاً
قُبلة
فيصير أسمي
أجمل حتى من وجهي
ويصير أيضاً
له صوتاً
يُسمع فقط
 ليلاً
سأبقى أنا مفتوحًا
 لكِ
كُلي
مفتوحًا
مثل يدا أمي
تظل ممدُودةً حتى
 وهي نائمةٌ
 نعُود خوفها فجأة
ولا نجد
من يُعانقنا
و أحيانًا
حين تدعوا
 تخاف دعائها لم يكن
 لنا كافي
فتدعوا الله نائمةً
وأنا مثلها صرتُ
افتح يداي
 وادعي
علكِ تأتين تائهةً
مثل فراشةٌ
ثملة
تحطُ في كُل مرةٍ
على خيط العنكبوت ِ
وتغفو في ثَمالَتِها
ألى الأبدِ ....

محمد أحمد 

Featured Post

ماذا بعد؟..بقلم: راتب كوبايا

ثقافات