هوية بقلم: ذ بياض احمد المغرب





هوية***

أَمامُكَ:
خَرِيْفٌ
عَلَى عَتَبَةِ الطَّرِيْقِ;
كِتَّانُ مَوْجٍ
عَلَى غُبارِ الدِّفْءِ؛
وَلَحْن الدُّفُوْفِ
عَلَى صَدْرِ خُرافَةٍ...
رَقْصَةُ المَنْفَى
عَلَى سَواحِلِ البَحْرِ،
وشَمْسٌ يُعاكِسُها الغَيْمُ.
لَيْلٌ
علَى رَمَقِ الأَنْفاسِ،
غمدية السَّواحِلِ،
وَيُتْم مَساءٍ راحِلٍ.
غَيْثٌ مَشْطُوْرٌ
عَلَى أَبْوابِ الشِّفاهِ
وَمُدُنِ الصَّفِيْحِ
تَلْثُمُ وِسادَةَ الأَرْضِ...
نُوْرُ شَمْسٍ
يَطْفُو
عَلَى سَرِيْرِ السَّغَبِ
وَدُخانٌ
يَصْنَعُ وِلادَةَ الأَيْتامِ!...
مَشاعِرٌ
تَقْرُضُ
شُعْلَةَ نَجْمٍ.
عَبَثاً !...
تَنْتَظِرُ الغُيُوْمُ
طِفْلَ الغَيْثِ.
عَبَثاً !...
تُشاطِرُ الرِّيْحُ
رَقْصَةَ مَخالِبِ الوَرَقِ.
مَنْ
أَنْتَ?!...
حِيْنَ تَعْزِفُ
سِيمْفُوْنِيَّةً
لَحْناً مُنْتَشِياً
عَلَى غُصْنِ الجِدارِ!
وَتَنْحَتُ الخِيامُ
أَرْضَ مُقْلَتِها!
وَيَتَّسِعُ الطَّرِيْقُ
وَشَوْطُ الغُبارِ...
وَتَنْصَهِرُ
أُنْشُوْدَةُ المَطَرِ
فِي دَمْعَةِ أُسْطُوْرَةٍ.........
وَقَمِيْصُ أَنْدَلُسَ
يُدَثِّرُ جَسَدَ السُّقُوْطِ.
وَجَسَدُ المَلْهاةِ
يُطْعِمُ شُرْفَةَ اللَّيْلِ.
خَلاء المَكانِ
وَبَحْر
دَمٍ عَلَى الأَرْصِفَة٠

*****

ذ بياض احمد المغرب 

نصوص هايكو بقلم : أنور الأغبري

 





نصوص هايكو

في الصحراء

لا أثر لأقدام المارة

لأعود!

___

بإيقاع شرقي

ينخر ساق الشجرة

نقار الخشب!

___

ذهابًا وإيابًا

تود لو تلمس السماء

فتاة المرجيحة!

___

ذوبان الثلج

تنزلق في رَدْهة الحُبّ

كل البدايات!

___

من النافذة

أراقب هفيف الريح

وشدو البلبل!

___

عود ثقاب

بيد الطفل الصغير

حريق غابة!

___

بين الركام

لا تزال إشارة النصر

مرفوعة عاليًا!

___

حالة شهيد

في فناء المنزل

البلبل يشدو!

___

صباح خريفي

الأرملة تُحدق في الشجرة

تشابك الأفنان!

___

أوراق الخريف

ما يأتي بالسهل

يذهب بالسهل!

______

أنور الأغبري


حينَ هَرَبَتْ مِنِّي السِّنِينْ بقلم : سعيد إبراهيم زعلوك

 







حينَ هَرَبَتْ مِنِّي السِّنِينْ،

وأَثْقَلَ قَلْبِي الحَنِينْ،

وَتَاهَتْ خُطَايَ عَلَى دَرْبِ حُزْنٍ،

وَغَابَ صَدَى الفَرَحِ الدَّفِينْ.

نَادَيْتُ لَيْلِي،

فَمَا جَاءَنِي صَوْتُهُ،

وَسَافَرَ فِي الدَّمْعِ حُلْمٌ بَعِيدْ،

وَبَاقِي الأَغَانِي تَبِيضُّ عَلَى الشُّرْفَةِ،

وَتَمْضِي كَطَيْفٍ يُعَانِقُ لَحْظَاتِ صَمْتِي.

كُنْتُ أُغَنِّي لِوَجْهِكِ،

وَالنَّجْمُ يَهْرَبُ مِنِّي،

وَكُنْتِ الحَنِينَ الَّذِي لا يَزُولْ،

تَرَكْتِ عَلَى قَلْبِيَ الْمَطَرَاتِ،

وَرِيقَ الحَكَايا، وَعِطْرَ الفُصُولْ.

يا مَنْ سَكَنْتِ دِمَائِي،

كَيْفَ أُخْرِجُ نَبْضَكِ مِنِّي؟

كَيْفَ أُقَنِّعُ ظِلِّي

بِأَنَّ الرَّحِيلَ نِهَايَةُ حُبٍّ؟

وَأَنَّ الغِيَابَ وُجُودٌ جَدِيدْ؟

رُدِّي لِيَ اللَّحْظَاتِ الَّتِي ضَاعَتْ،

وَالنُّورَ الَّذِي كَانَ يَمْلَأُ عَيْنَيْكِ،

فَقَدْ تَعِبَ القَلْبُ مِنَ البَحْثِ،

وَصَارَ الحَنِينُ زَادَ المَسِيرْ.

وَالآنَ...

لَا شَيْءَ يُوجِعُنِي غَيْرُ صَمْتِي،

وَلَا شَيْءَ يُؤْنِسُنِي غَيْرُ ذِكْرَاكِ.

تَعَلَّمْتُ أَمْشِي عَلَى ضَوْءِ غِيَابِكِ،

وَأَبْتَسِمُ لِوَجْعِي كَمَنْ يَفْهَمُهُ.

فَإِنْ عَادَتِ السِّنِينُ،

سَأُرَاوِدُهَا عَنِ البَقَاءِ...

وَلَكِنْ، دُونَ أَنْ أَنْتَظِرَ أَحَدًا.

سعيد إبراهيم زعلوك


ينظر إليّ، بقلم: محمد العلوي آمحمدي

 





ينظر إليّ،

أعرفه… ولا أراه.

وأنا الأعمى.

نسيم الربيع

حفيفه يمرّ فوق وجهي،

ولا أسمعه.

هدير البحر

في جوف الظلمة

وميضُ أمل.

سماء غائمة

يومض ضوء القمر،

أسمعه قبل أن يتكلّم.

محمد العلوي آمحمدي


إلى وعد رسالة رقم 5 بقلم: الطيب عمر السنوار

 





إلى وعد

أكتب لكِ الآن كمن يمشي داخل ضبابٍ كثيف، يحمل معه خرافةً صغيرة عن نفسه، ويخشى أن تنطفئ هذه الخرافة قبل أن يصل إليك... لم أعد أثق بذاكرتي،

أصبحتْ مثل خزان ماءٍ مثقوب، يُهدر ما تبقى من الأيام، قطرةً قطرة، حتى باتت اللحظات تنسلّ، من بين أصابعي كأنني أحاول الإمساك بدخان متقطّع.

أحيانًا أصحو وأشعر، أن رأسي غرفة قديمة مكسورة النوافذ، يجتاحها هواءٌ بارد قادم من ليلٍ لا أعرف مصدره... كل شيء بداخلها يتحرك داخلي ببطء: الأسماء، الوجوه، الأماكن، الاثاث، والنوافذ... كل الأصوات تتداخل فيّ كأنها قادمة من غرفٍ في مستشفى مجاور، لا أستطيع التمييز بينها، ولا أعرف أيها لي، وأيها مجرد هلوسة.

أخاف يا وعد؛

أخاف أن كل ما يحدث، ليس فقدًا للذاكرة فقط، أن يكون تلفٌ في الجانب الذي كنتِ تقيمين فيه مني... كأنكِ تحاولين الخروج من رأسي، وتتركين ورائكِ كرسيًا فارغًا يتحرك وحده، يبكي وحده، يغلبه البكاء فيضحك وحده، ويعرف أني لن أجلس عليه مرة أخرى... أخشى تلك اللحظات، التي يتوقف فيها الزمن فجأة، ثم يعاود الدوران،

لكن بطريقة غريبة، مثل مروحة معطوبة تصدر صوتًا حادًا، ولا تمنح هواءً كافيًا...

تلك اللحظات التي أسأل نفسي فيها:

هل قلت هذه الجملة من قبل؟ هل مشيت في هذا الشارع؟ هل أحببتُكِ حقًا… أم أني اخترعتكِ لأستطيع التحمل؟

وليس هذا وحده ما يرعبني، ما يرعبني أكثر، أن الوطن نفسه بدأ يتسرب من رأسي،

كأن الخراب أكل أطراف الذاكرة لدرجة أنني أضيّع الخرائط التي تربيت عليها...

أحيانًا أنظر إلى العلم فأحسّه غريبًا،

ليس لأنه تغيّر… ربما لأن قلبي تغيّر.

كأنني أعيش في بلدٍ يرميني كل يوم خارجَه،

وأنا أعود، أعود كالمهزوم، كمن يطرق باب بيتٍ لم يعد بيته... أعود، وأعود.

تدرين يا وعد، ماذا يعني أن تحاول تذكّر بلدك، فلا تجد فيه سوى أصوات الانفجارات؟

ماذا يعني أن تتذكر الأزقة، فتتفجر في رأسك صور الشظايا بدلًا من أصوات الطفولة؟

ماذا يعني أن تحاول استعادة رائحة الخريف، فتشمّ بدلًا منها رائحة البلاستيك المحترق ولحمٍ مشوي لا تعرف لمن ينتمي؟..

أخشى يا وعد، أن يتحول الخراب إلى ذاكرة أصلية، وأن تختفي الذكريات الجميلة، كأنها إشاعات… أخشى أن أصدق أننا، لم نكن يومًا سعداء، ولا آمنين، ولا قادرين على الاحتضان... أخشى أن يصبح الوطن مجرد كابوسٍ قديم أستيقظ منه بلا أسف...

والآن يا وعد،

اذا ما ضعتُ يومًا، وابتلعني النسيان كما تبتلع المدن الغارقة أبناءها، فتذكّري فقط أنني حاولت… حاولت أن أكون نورًا صغيرًا في ظلامٍ مهول، حاولت أن أحمي ما تبقى من قلبي ومن البلد، وحاولت، بكل ما فيَّ من وهن، أن أصل إليكِ… حتى لو وصلتُ متأخرًا، مهزومًا، ومحمولًا على كتف الذاكرة المكسورة.

هذه نهاية الرسالة يا وعد…وليست نهاية الحكاية... فالروح — حتى حين تتلف —

تبحث بطريقةٍ ما، عن يدٍ تؤمن بأنها ما زالت تستحق أن تُمسَكَ بها.

الطيب عمر


Featured Post

ماذا بعد؟..بقلم: راتب كوبايا

ثقافات