كما الجنون... للبكاء فنون .. قراءة وجدانية في نصّ ميسون أسعد بقلم زيد رشيد

 



كما الجنون... للبكاء فنون

قراءة وجدانية في نصّ ميسون أسعد

---

ثمّة نصوصٌ لا تُقرأ بعين القارئ

بل تُستشعر بنبض الروح

تُصغي إليها كما يُصغي المؤمن إلى ترتيلٍ يعرف أنه كُتب لأجله.

ونصّ ميسون أسعد “كما الجنون... للبكاء فنون”

ينتمي إلى هذا النوع النادر من الكتابة التي لا تُفسَّر بل تُعاش،

تغوص في أعماق النفس كأنها مرآة من دمٍ ونجاةٍ في آنٍ واحد.

منذ الجملة الافتتاحية:

“كما الجنون، أيضًا للبكاء فنون.”

تضع الشاعرة قارئها أمام عتبةٍ وجوديةٍ صارخة :

أن البكاء ليس ضعفًا، بل فنٌّ من فنون الوعي،

وأن الجنون ليس خللًا، بل حالةُ صدقٍ مطلقٍ لا تحتمل التبرير.

من هنا يبدأ النصّ رحلته في تفكيك العلاقة بين الإنسان ودمعته،

بين الضحك كسلاحٍ ضد الوجع، والبكاء كاستسلامٍ جميلٍ له.

“كأن تسير مسرعًا هاربًا من ظلك،

تسابق رأسك مرّة ومرّة قلبك،

وكلّما ظننت أنّك نجوت، تعيدك أغنية...”

تبدو هذه الصورة كأنها شريطٌ من السينما الداخلية،

يتسابق فيه الفكر والوجدان على حلبة الفقد،

حيث الذاكرة تُعيدك دائمًا إلى ما أردت الهروب منه.

إنّها لعبة العودة القسرية، حين يصبح الماضي قدرًا يمشي في ظلك.

ثمّ يأتي المشهد الأكثر رعبًا وصدقًا:

“وأنت تشاهد ماء وجهك يُراق على حدّ طعنةٍ،

وترى قلبك على طاولة التقطيع،

وثمّة أشخاص مألوفون يشاركونك الضحك،

ولا يشاركك أحدٌ منهم البكاء!”

يا لعمق المفارقة!

هنا تبلغ الكاتبة قمة الوعي الموجع بالزيف الإنساني،

فبينما يشاركنا الناس أفراحنا المصطنعة،

يبقى الحزن تجربةً سرّية لا تُشارك.

ميسون تضع إصبعها على جرح العصر :

نضحك جماعيًا... ونبكي فرادى.

“كأن تفقأ بمخرزك عين الورق،

بينما لا تنبئ ملوحة الكلمات النازفة

عن دمعةٍ واحدةٍ جرت في روحك وبللتها!”

في هذه الصورة، يتحوّل الورق إلى كائنٍ حيّ،

له عينٌ تُبصر وجعنا

لكنها تُصاب بالعمى حين يتجاوز الألم اللغة.

إنها صورةٌ ميتافيزيقيةٌ تكشف أن الكتابة ليست خلاصًا،

بل استمرارٌ للوجع في شكلٍ جماليٍّ آخر.

ثمّ تأتي الرقصة الجنائزية الساحرة:

“كأن ترقص على جثتك،

وتمعن غرز قدميك أكثر فأكثر،

بينما يداك تتمايل كأغصان مثقلةٍ بالدموع والحنين.”

أيّ بلاغةٍ أن يتحوّل الرقصُ إلى طقس وداعٍ للنفس!

تُمارس ميسون هنا جنونها النبيل،

ترقص لا لتحتفل، بل لتعترف،

وتُعيد للجنون معناه الطهري :

التحرّر من الوعي حين يصير الألمُ أثقلَ من الاحتمال.

ثمّ تختم نصّها بخاتمةٍ إنسانيةٍ آسرة:

“للبكاء فنون، أبسطها أن تنهمر دموعك

على لقطةٍ محزنةٍ في فيلمٍ لا يحكي عنك بقدر ما يفعل.”

إنها المرآة الأخيرة التي تضعها أمامنا لتقول:

نبكي الآخرين لأنهم يشبهوننا،

نبكي كي نُثبت أننا ما زلنا نملك قلبًا.

وهكذا يتجلّى البكاء كأسمى أنواع الإدراك الوجداني:

دمعةٌ على الغير، هي في جوهرها دمعةٌ على الذات.

---

خاتمة الوجدان

نصّ ميسون أسعد هو أكثر من تأمّلٍ في الحزن،

إنه بيانٌ شعريّ في فلسفة الدمع

ودرسٌ في كيفية تحويل الانكسار إلى جمال.

إنها لا تكتب لتشفى،

بل لتجعل الألم يكتسب شكله الأنيق على الورق.

ميسون — في هذا النصّ —

علّمت اللغة أن تبكي، والجنون أن يتأنق،

والوجع أن يرقص على حدّ الجمال دون أن يسقط.

  بقلم : زيد رشيد

***********

النص المدهش :

كما الجنون

أيضاً للبكاء فنون ..

كأن تسير مسرعاً هارباً من ظلك ،

تسابق رأسك مرّة ومرّة قلبك، وكلما ظننت أنك نجوت،

تعيدك أغنية ...

كأن تضحك بأعلى صوتك

وأنت تشاهد ماء وجهك يراق على حدّ طعنةٍ،

وترى قلبك على طاولة التقطيع،

وثمة أشخاص مألوفون

يشاركونك الضحك،

تضحك وتضحك

ولا يشاركك أحدٌ  منهم البكاء!

كأن

تفقأ بمخرزك  عين الورق ،

بينما لا تنبئ ملوحة الكلمات النازفة ،

عن دمعةٍ واحدةٍ جرت في روحك وبللتها!

كأن ترقص على جثتك،

وتمعن غرز قدميك أكثر فأكثر ،

بشيءٍ من التشفّي ،

بينما يداك تتمايل كأغصان مثقلةً بالدموع والحنين ..

للبكاء فنون

أبسطها  أن تنهمر دموعك

مدراراً ،

على لقطة محزنة ،

في فلمٍ لا يحكي عنك

بقدر ما يفعل!

Maisoon Asaad


( إلى ورد في يوم ) (محكمة) بقلم : أحمد هاني الحمدان

 



( إلى ورد في يوم )

              (محكمة)

......

عدالة الأرض مُنحرفة

هي عدالة كذبٍ مُزيفة

قيد على الروح مُحكم

والروح بالقيد مُعترفة

كلما حاولت سكب محابري

قالت قصائدي :. آسفة

حززت رأسي عن جسدي

دمائي على الأرض راعفة

 فمن يدرك فحوى حرفي

وكل من حولي فلاسفة!؟

 بقلمي

أحمد هاني الحمدان


نصوص هايكو بقلم: أنور الأغبري

 



نصوص هايكو

مثل الجهنمية

نحيلة وتحسن الإلتفاف

كَذباتكِ!

___

أتساءل

في هذا المساء، ماذا لو أثمر

الفُل!

___

الأزقة القديمة

تتضوع رائحة الياسمين

لمسة أمي!

___

إنحناءة نخلة

فوق البحيرة ووسطها

مرجيحة صبي!

___

في الصباح

تنظف عاملة صالة الأعراس

ما تبقى من رقص!

___

تحت الضباب

يسير الراعي برفقة كلبه

في موسم الأمطار!

___

على الشاطئ

الأطفال يبنون خيامًا

نازحون!

___

ليل مقمر

من نافذة الجيران

يطل قمر!

___

شجرة اللبان

من ساقها عطرًا

عبق التاريخ!

___

في الصباح

ينقر العصفور الزجاج بلطف

فرح!

______

أنور الأغبري

اليمن


هايكو بقلم: أحمد العكش

 



أُوْلَى الهَزَائِمِ

تُطْفِئُ الشَّمْسُ آخِرَ أَمَلٍ،

السَّمَاءُ صَامِتَةٌ.


أُوْلَى الهَزَائِمِ

رَعْدٌ يُزَاحِمُ نَبْضَ الوَرْدِ،

المَطَرُ يَنْدُبُ الحُلْمَ.


أُوْلَى الهَزَائِمِ

نَظْرَةٌ تَشُقُّ صَمْتِي،

يَسْقُطُ القَلَمُ.


أُوْلَى الهَزَائِمِ

مَنْفًى يُرَافِقُ كُلَّ جَنَاحٍ،

طُيُورٌ تَحْلُمُ بِالوَطَنِ.

 

..احمد العكش..



الدهشة بقلم: سعيد العكيشي

 



الدهشة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حين تقف أمام فاتنةٍ،

...وأنت مصفَّدٌ بجمالِها،

ضريرٌ من الحياء،

ممتلئٌ بالرهبة،

خاليٌ من الفطنة،

فاقدٌ للغة.

الدهشة،

حين تُسقِط فاتنةٌ أخرى

قطعةً من حبلِ غسيلها؛

ربما عنوةً،

وربما مصادفةً...

فتناديك،

لتعيدها،

أو لتدسَّ رقمَ هاتفِها في يدك.

الدهشة،

حين تتذكّر أنك أعمى،

وأن عينيك نسيتَهما

في جسدِ الفاتنة

التي مرّت أمامك للتوّ.

الدهشة،

أن تجمعَ لحظةٌ واحدةٌ فاتنتين

بذلك الدلال،

فتجعلان مشاعرك تطوف حولهما

في ساحةِ ذاكرتك الكبيرة.

تستيقظ الرغبةُ النائمةُ فيك،

ولا تجد الأحجيةَ التي تُقنع قلبك

بأن الحياء لم يتلقَّ تدريبًا

لخوضِ حربٍ كهذه.

الدهشة،

وأنت تحاول كتابةَ قصيدةِ الدهشة؛

تلفُّ اللغةُ حبلَ المجازِ حول عنقك،

وتعلّقك على جذعِ الخيال...

لكنّك لا تموت،

ولا تموت القصيدة؛

بل تأتيك بعد حملٍ شاقٍّ

وولادةٍ متعسّرة.

دهشةُ الدهشة،

أن تفقد وعيك

في مفترقِ دهشاتٍ كثيرة.

سعيد العكيشي / اليمن


Featured Post

ماذا بعد؟..بقلم: راتب كوبايا

ثقافات