تجلس على عتبة الوقت، تتكئ على صمت أثقل من ذاكرة الجدران، وتحدّق في نافذة
تطلّ على الفراغ الذي خلفه الغياب، بين يديها هاتف أكله الصدأ، ينتظر رنّة تُعيد
إلى الأيام نبضها، وإلى العمر معنى الانتظار.
كلّ شيء حولها يوحي بالقدم، غير أنّ الانتظار جديد كلّ صباح، يولد معها حين
تفتح عينيها على غيمة من الذكرى، وتشيّع مساءها بنظرة معلّقة في أفق لا يأتي.
يمرّ الزمن أمامها ببطء، يجرّ
خطواته فوق بلاط القلب المتعب، وهي تنصت إلى الصمت كأنّه رسالة مؤجلة من ماض أبى
أن يُفصح.
في وجهها أخاديدُ حكاية حفرتها السنين بإبرةِ الوحدة، وفي نظرتها وهج روح
لم تستسلم بعدُ لتيبّس الحنين.
كم من مرّة وعدها الغياب بالعودة،
ثم مضى نحو مجهول لا يعرف الرجوع؟ وكم من رنّة كاذبة أوهمتها بأنّ على الطرف
الآخرِ قلبا ما زال يتذكّر اسمها؟
صارت النافذة مرآة الروح، والزجاج يغشاها رماد المواسم. خلفه غابة من
الفقد، تتعرّى أغصانها كلّما مدت عينيها نحو الأفق، ويد مضمومة تحت الذقن تروي
حكاية قلب ساجد تعب من السؤال.
هكذا يتحول العمر إلى حوار صامت مع الغياب، وإلى يقين بأنّ الأشياء تفنى،
غير أنّ الذكرى تبقى تتنفّس في الزوايا الباردة، هناك، بين سكون الجدران وأنين
الهاتف العتيق، تنسج العجوز حوارا مع اللامرئي، وتستظلّ بظلّ الذين رحلوا، علها
تظفر بنداء من وراء الغياب، أو تنهيدة تقنعها بأنّ الانتظار صلاة، وإن تأخر الوحي.
Lou Dji ✍🏻