* القصيدة
الثالثة
تنداري 3
أوسيرة المنسى
لم يَعُدْ ثَمَّ جسدْ
يحملُ الروحَ التى
تَنأى عن الجدرانِ،
عن رائحةٍ فى البيتِ،
كان السورُ،
والمرأةُ،
والسور هو الميراثُ،
هل كانَ طريقاً
حجرياً...؟
أينما تعرفْ تَمُتْ!
قالتِ المرأةُ:
كان العشبُ خبزاً
لوْنَ أسمائى،
وكان الحُزْنُ
حطّاياً،
مضينا بيننا نافذةٌ،
فى ليلةٍ جاء قتيلٌ،
كفُّةُ مملوءةٌ
بالطينِ،
صرنا نعرفُ الميراثَ،
لم ننسجْ له إلا
حقولَ الروحِ،
قلنا: أينما تنهضْ
مراعٍ مّا سنأتى!!
... على رصيفٍ مّا،
قطاراتٌ،
أساطيرٌ،
ـ هل انتظرتَ ..؟
ـ كان الطفلُ شاخصاً
أمامَ النورِ..؟
ـ هل فتحت بابَهُ..؟
ـ رأيتُ السورَ
محنياً عليهِ،
حينما اقتربُ صارَ
جسمُهُ مسيرةَ الأسلافِ،
ـ كيف أدخل الجرجَ
إذنْ..؟
ـ سأجبلُ الطين الذى
يمشى عليهِ،
والذى أمشى عليهِ،
ثَمَّ بيتُ،
أبيضَ الأحفاَد،
ـ لكنَّ الخُطَا مُنذ
الصباحِ كيفَ أمحوها؟
وأعوامىَ التى
تركتُها فى بئرِها الأولى
ستصحو..؟
ليكنْ!
سأطرقُ البابَ التى
يعبرُ منها الميتونَ،
ألِجُ السؤالَ من
عينيهِ،
سوفَ أنزعُ المدينةَ
الأخرى،
وليكنْ
دمى فضاءهُ...
يا رقصةَ المطرِ
فليدخلِ البيتُ من
أبوابِهِ السبعةْ
نهراً له ألفُ سرٍ
حاملاً رأسَهْ.
ـ أينَ الصبىُّ؟
يمرُ الآنَ قربَ
نهايةِ الضحى وجِلاً،
تبصُّ رائحةُ
البيوتِ،
أينَ الذى كان
الصبىَّ؟
أخيراً صار مسوراً،
له نوافذُ لا يراها،
نصفُ منسيةٍ،
وسوفَ يُقضى إلى رحىً
تدورُ،
إذنْ!
لابدَّ من رقصةٍ أخرى
لأعرفَ،
أين كنتُ،
فى الرقصةِ الأولى،
وأمحو خطاىَ من
سلالمَ مّا..!؟
- يالحظّكِ يا أمُّ،
كيفَ وصلتِ هناكَ،
وكفُّكِ مملوءةٌ
بالخرافاتِ،
والبابُ موصدةٌ..؟
- كان الوقتُ قمحاً،
يتجّولُ فى غسقٍ مّا،
أسماكٌ ترقصُ
والأعشابَ،
فوقَ ظلهِ المعكوسِ
فى مياهٍ،
قدما الغامض
حافيتانِ،
ويداهُ شِبهُ
جريدتينِ، يابستينِ،
خلفَهُ مدنٌ من
بكاءٍ،
وكانتِ الجنازاتُ
سرَّها..،
وكنتُ:
1ـ كهفَ الأسرارِ
2ـ حرارة الجِماعِ
3ـ خزانةَ الأطفالِ
4ـ قناديلَ البيوتِ
5ـ خُسرانَ الطريقِ
فكتبتُ في كفيَّ:
كلما تتجّولُ أبعدَ
من دفقةٍ البِدْءِ،
أقربَ من غسق مّا،
سياجٌ يشدُّ الطريقَ
من القدمينِ
إلى البيتِ،
والبيتُ كان سحيقاً،
هناكَ عجوزٌ تلمُّ
الخُطا،
تنحنى قربّ شيخوخةٍ،
فى رداءٍ ممزّقةٍ،
رجلٌ من رُعاةِ
العناكبِ،
يعدو وراءَ سؤالْ...!
- إذنْ!
فى الأفقِ كوةٌ،
سأدخلُ منها،
أرى أيامى أسراراً،
ترتدى أسمالاً،
أجلسُ برهةً،
أنظرُ ورائى،
ألمُّ الأشياءَ التى
أعرفُها،
لماذا انفجرّ الأفقُ
حينما أبصّرنى
أجرُّ سلالم
الأسلاف...؟
- يادَرَجَاً
حجريّاً،
سُدّ كوى الذاكرةِ
الأولى،
إن الأسلافَ يمرونَ
الليلةَ فى كلماتٍ،
يختبئونَ وراءَ
قميصِكَ،
تبصرُهم شبحاً شحباً
وتنامْ..
- يالحظّكِ يا أمُّ،
كيفَ وصلتِ هناكَ،
وكفُّكِ مملوءةٌ
بالخرافاتِ،
والبابُ موصدةٌ...؟
- فى صباحٍ سيأتى،
رأيتُ على العتباتِ،
بقايات نهارٍ،
ورأساً بلا جسدٍ،
نصفُهُ داخلَ
الهاويةْ،
نصُهُ خارجَ
الهاويةِ،
طائرينِ يتيمينِ،
عَينىْ سؤالٍ
تلوحانِ،
بعدَ حنينٍ،
سيأتونَ من خلفِ
أحزانِهم،
حاملينَ معاولهم،
كلما اقتربوا،
أَخْتفى،
فإذا تَعبُوا،
يلجُونَ حكاياتِهم...
عن قميصٍ يدلُّ على
دَرَجٍ،
سوفَ يُنهى الطريقَ
إلىَّ،
ولكنَّهم يمرونَ مثلَ
الخرافاتِ،
أجسادُهم مُدُنٌ،
شِبهُ غارقةٍ فى
ظلالٍ،
ولن يبصرُونى!
عَبرَتْ تنداري
ضحاها،
شبابيكُها ظهيرةُ
حربٍ،
أبوابُها نصفُ
منسيةٍ،
وأسماؤها قربَ ليلةٍ
تختفى
والظلامُ يفتحُ
أسرارَها،
فتبصرُ قتلاها
قاتليها،
وراء السور الذى سوفَ
يُمْحى..!
اللحظةَ الأولى
خرجتُ،
رأيتُ صرختَها شتاءً
آتياً،
فصحوتُ،
أهلاً،
- مَنْ؟
أخيراً ظلّى
المعقوفُ!
- كيف دخلتَ؟
- من بابٍ مُضّرجةٍ
بوجهٍ ميّتٍ!
- هل أنَت ليلُ
نبيّها،
أين الفراشاتُ التى
قبلّتُها،
فَتَساقطَ التاريخُ
من جرحٍ سيأتى؟
- إننى أصحو أرانى
لحظةً مقلوبةً،
ونهايةً عمياءَ،
- هل تصطادُ
شُبَّاكاً من الجدرانِ
أم أرضاً تُسيّجُها
زهورُ الرغبةِ الأولى،
خطا الموتى على
دَرَجِ الظلامِ،
عواءُ نافدتينِ
شاردتينِ من بئر السؤالْ..؟
- الدّفقَةَ الأخرى
حللتُ،
عرفتُ أنَّ سلالة
الأشباحِ،
شهوةُ عاشقينِ،
يسميانِ الأرضَ
والقتلى،
رأيتُ السرَّ فى جسدِ
الطريقِ،
نجوتُ فى أسوارِه،
لكنَنى فى ميتتى
سمّيتُهُ إسماً،
وكان الوحلُ يتبعُنى،
أحدّقُ أبصرُ
الأغوارَ أينَ الخطوةُ الأولى؟
- تنقّبُ فى دمها عن
صِبا،
عن ظهيرةِ حلمٍ،
فليتصقانِ،
تحدّقُ فى جسمِهَا
البضّ،
تبصر أجنحةَ الطين
مرميّيةً،
وعلى سلم الريحِ،
تَهرُمُ أمطارُها،
فتعِنُّ نوافذُ
شيخوخةِ الليلِ،
والعُنفُ يأتى،
- آه تندارىَ العابرةْ،
طينتى أخذتْنى إلى
حانةٍ،
بدنى كان يمشى أمامى،
نصفَ موتٍ ونصفَ
حنينٍ،
يمران فى جسدٍ عابرٍ،
يالحظّك يا أمُّ،
كيفَ وصلتِ هناكَ،
وكفُّك مملوءةٌ
بالخرافاتِ،
والبابُ موصدةٌ...؟