امرأة على خطِّ الاستواء بقلم: سليمان دغش



 



امرأة على خطِّ الاستواء/سليمان دغش

هُنا أَنتِ

أَيا عَسَليّةَ العينين ِ

يا وَرديّةَ الشَّفَةِ

هُنا أَنتِ

ومِنْ زَمَن ٍ أُفتِّشُ فيكِ عنْ مَوتي بلا موتِ

وَعَن لُغَةٍ يُعانقُ حَرفُها لُغَتي

وأَبحثُ في مَحيطِ الخَصر ِحولَ النّونِ

عَنْ ميناءِ مَركبَتي

وعن دِلتا تراودُني

وعَنْ جُزُر ٍ

يَنامُ على سَواحِلِها لُهاثُ البَحرِ في شَفَتي

هُنا أَنتِ

وهذا الليلُ وَحشِيٌّ يُفجّرُ فيَّ بُركاناً

ويُشعلُ فيَّ أَوردَتي

أَنا الإعصارُ والإعصارُ مَعركةٌ

فلا تَسْتَسلِمي أَبَداً لإعصاري وَزَوبَعَتي

فإنَّ حرارَةً قُصْوى تُعربِدُ في شراييني

وَخَطّاً استِوائيّاً يُغطّي وَجْهَ خارِطَتي!!

هُنا أَنتِ

وفي عَيْنَيكِ عاصِفةٌ مِنَ الصَّمتِ

أَيبكي الصَّمتُ في العينَيْنِ؟

إِنَّ الصَّمتَ يأخذني إِلى شَفَتيْن ِ مِنْ كَرَز ٍويُسكِرني

فمنْ شَفَةٍ معتَّقَةٍ إِلى شفَةٍ، إلى شَفَتَيْنِ في شفَتي

أُحِبُّكِ...

فاتْرُكي نَهدَيكِ رابيَةً منَ الفيروزِ ترجُفُ قُربَ رابيَةِ

وعُصفورينِ دورِيَّينِ لا يستَسلِمانِ سوى لِرَبِّهما

هُما لَهُما

ولي شَفَتايَ بينَهُما

ولي لُغَتي

ولي صوتي

ولي صَمتي

ولي موتي

إذا ما شئتِ سيّدتي...!

ولا تَنسَيْ

بأَنَّ النارَ في الجُلْنارِ قاتِلةٌ بلا شَكٍّ

وأنَّ الآهَ صوتُ الروحِ في الشّفَتينِ تَقتُلني وتحييني

وأَنَّ الفُلَّ في السَّاقَيْنِ يَفتَحُ جبهَةً أُخرى

لتكمُلَ فيكِ ملحَمَتي

أَيا امرأةً تُفَجِّرُني

وتُحْرقُني

وتجمَعُني

وتنثرُني

رَماداً فوقَ نهديها

وجمراً حول سُرَّتها وقد كَتَبَتْ

بخطِّ النارِ فوقَ العاجِ يافطةً:

هُنا خطَرٌ ألا فاحذَرْ

ولا تَقرَبْ جَهَنَّمَ سُرّتي أبداً ومحرقتــي

فلا تَتَغَيَّري أَبَداً

ولا تَتكرَّري أَبَداً

ولا تَتحرَّري أَبَداً

وَكونني آه ِ جارِيةً وَسيِّدَةً تُحطِّمُ كُلَّ مَملكَتي

وضُمّيني إِلَيْكِ كَبَرقةٍ رَقَصَتْ على زنّار ِ عاصِفةٍ

تئنُّ الريحُ في تيّارِها العالي

وتُشعِلُ ماءَ غيمَتِها وتُشعِلُني

فإنَّ النارَ في عَيْنَيْكِ توقِظُني

على عَجَلٍ وتوقظُ فيَّ تمّوزاً

وتحيي الأرضَ في جَسَدي

تُجدّدُني لأبدأَ مرّةً أخرى طُقوسَ الخَصبِ

بينَ العُشبِ والزَّبَدِ

أَيا امرأَةً

يُغَطِّي الثلجُ رُكْبَتَها

فيُشعلني لهيبُ الثلج ِ سيِّدَتي

فإنَّ حَرارةً قُصْوى تُحرِّرُ عُروَةَ الأزرارِ في جسَدي

وَخطّاً استوائيّاً يُغطي كُلَّ خارطَتي!!

(سليمان دغش- فلسطين)


فِي حَضْرَةِ النِّيلِ… تَنْفُضُ مِصْرُ غُبَارَهَا بقلم: سعيد إبراهيم زعلوك


 


فِي حَضْرَةِ النِّيلِ… تَنْفُضُ مِصْرُ غُبَارَهَا

في حضرةِ النيلِ،

تنهضُ الرُّوحُ… تنهضُ كالأغنية،

تغسل المدى… تغسل غبارَ الزمان،

وتخطُّ على الماءِ… سرَّ البداية.

يا مصرُ… يا مصرُ،

يا وجهَ الضِّياءِ الذي لا يشيخ،

يا خطوةَ الفجرِ حين يُباغتُ العمر،

يا نفَسَ الحجرِ الذي يروي الحكاية…

بصوتٍ من نور.

في المتحف الكبير،

تُفتَحُ الأزمنةُ… كالأبواب،

تدخل الأجيالُ… كأنها تستعيد نفسها،

ويهمسُ الأسلافُ… في زماننا،

كأنهم يُعلّمون الحجرَ… كيف يتكلم.

تتكاثف الصورُ… تتكاثف،

فيصير النيلُ مرآةً… مرآةَ الضوء،

تطلُّ منها الأمُّ،

تحمل الغيمَ في كفِّها،

وتُرضع الحلمَ للوطن.

يا مصرُ… يا مصرُ،

يا سرَّ البقاءِ…

يا أغنيةَ الأرضِ في حنجرة الفجرِ،

ها أنتِ تولدين من جديد،

كلما قام حجرٌ… وكلما تكلمَ ضوء.

سيبقى الحلمُ مصريًّا… مصريًّا،

تحمله الأيادي… كما تحمل الأمُّ طفلها،

ويَسير الزمنُ… بنبضكِ،

يا أمَّ الدنيا… يا قلبَها الأبدي.

تنفض مصرُ غبارها…

تصحو الحجارة… تصحو،

تتنفس الضوء… كأنها تسترد أصواتَ الزمن البعيد.

يسير الحاضرُ في خُطى القدم…

تتنفس الأرواح في المشى…

تلامس وجوهَ الأطفال…

وتهمس:

هنا بقينا… وهنا سنكون،

فالقلبُ مصريٌّ… لا يغيبُ ولا يميد.

تفتح المدينةُ نورها… نورها،

تعيد ترتيب أنفاسها… أنفاسها.

تسير العيونُ في طريقٍ بين الفجرِ والنيلِ،

تسمع في الدم نبضَ الهرم…

وعطرَ القديم في الريح.

ويقف الطفل عند باب المتحف…

يمسح ترابَ النيل عن قلبه… قلبه،

ويقول:

هذه بلادي… هذه بلادي،

تكتبني كل صباح على وجه التاريخ…

وتتركني شاهدًا…

كما تترك الحجارة سرَّها في أمان الله.

سعيد إبراهيم زعلوك


نصوص هايكو بقلم: أنفاس الحروف

 



رماد الليل،

جمرةٌ في كفّ الوطن،

ضوءُ الشهادة.


ريح الجبل،

أريج الثورةِ الصاعد،

أقحوانُ الخلود.


صمتُ المدافع،

جرسُ الفجر على الجرح،

ميلاد الجزائر.


عبق الدم،

محراب تراب طاهر،

نوفمبر نفس الله.


ظلّ الشهيد،

منارة ليل أبدي،

وجه الوطن.


   انفاس الحروف   Lou dji


هايبون - لحن صامت بقلم حسام أحمد




هايبون: لحن صامت

حين رميتِ وردتي، لم تكن مجرد زهرة تسقط، بل كانت لحظة احتضار في نغمةٍ كنتُ أظنها خالدة. قلبي تعثر كطفل يتيم يبحث عن لحنٍ لا يُعزف وعن دفءٍ لا يُستعاد. تمنيتُ أن يخطئ الخريف عنواني، أن يمرّ بي كما يمرّ الغيابُ بصحراء اليقين.

طوال الليل

أوراق الخريف تتساقط

صباح معتم

وردةٌ تسقط،

والوتر يئنُّ وحده

في صمت الخريف

حسام أحمد


 

ورقة نقدية في لوحة الفنانة التشكيلية "Khunav Saleh" بقلم : محمد حجازي ابرديني

 

ورقة نقدية في لوحة الفنانة التشكيلية "Khunav Saleh"
حين تتكلم الألوان بلسان الأسطورة.
بقلم: محمد حجازي البرديني.
يا للوحةٍ لا تُرى بالعين، بل تُحَسُّ بالقلب! ويا لألوانٍ تُبصرها الروح قبل البصر! حين تقع عين المتأمل على عمل الفنانة Khunav Saleh، يشعر كأنه أمام قصيدةٍ مكتوبة بالألوان، وأن كل ضربة فرشاةٍ فيها بيتُ شعرٍ من نارٍ ونور.
فاللوحة ليست رسمًا فحسب، بل رحلة وعيٍ وجمالٍ تمتد من تخوم الأسطورة إلى شغاف الإنسان. في ظاهرها مشهدٌ من الضوء والظل، وفي باطنها نسيجٌ من المعنى، خيوطه تمتد بين ما هو مرئي وما هو متخيَّل.
كأن اللوحة وُلدت من رحم الحلم، لا من ريشة فنانة فحسب، بل من روحٍ تمتح من الضوء والمسكوت عنه؛ فحين نُقبل على لوحة Khunav Saleh، لا نرى ألوانًا تُسكب على لوحة، بل نرى حكاية إنسانٍ يسير في متاهة ذاته؛ تتلوّن خطواته بأطياف الروح، وتتعانق فيها الرموز والأساطير كما تتعانق أمواج البحر في شفق المغيب.
فمن حيث البناء التشكيلي، تتقاطع الخطوط في انحناءاتٍ لا تخلو من الموسيقى، وكأن الريشة تعزف على وترٍ خفيّ.
التعرجات التي تمتد بين الألوان تشكّل إيقاعًا بصريًا، لا يخضع لصرامة الهندسة، بل يتنفس ككائن حيٍّ ينهض وينحني وفق نبضه الداخلي.
والنتوءات الصغيرة تشبه تضاريس الذاكرة، كل بروز منها يُعلن عن جرحٍ أو نبوءة، وكل ظلّ يُشير إلى ما أخفته التجربة خلف الألوان.
فالانحناءات والتعرجات والنتوءات، ليست عشوائية. كل منحنى يلمح إلى قصة داخلية، كل التواء يوحي بحركة حياتية متوترة بين الحلم والواقع، بين الخيال واليقين. والنتوءات والطبقات المكانية تمنح اللوحة بعدًا ثالثًا، كأننا ننظر إلى عالم حي يتنفس تحت سطح اللوحة، عالم يحمل أسرارًا وأساطير لا تنتهي.
أما الإضاءة في العمل ليست مصدرًا خارجيًا، بل نور داخلي يخرج من بين الشقوق، كما لو أن اللوحة تُضيء ذاتها بنفسها.
هنا يتحوّل الضوء إلى بطلٍ صامتٍ، يهمس في أذن المتلقي: انظر بعيني القلب، لا بعيني الرأس. فالإضاءة هنا ليست مجرد أداة لإظهار الشكل، بل هي لغة روحية، تُمهد الطريق لتجربة المشاهدة العاطفية. الضوء لا يسقط على الأشياء فحسب، بل يلمس الروح؛ يكشف عن أبعاد مخفية ويجعل القارئ يرى أكثر مما تراه العين وحدها.
فكل عنصر في اللوحة يخدم فكرة أكبر: أن الفن هو تجربة وجدانية قبل أن يكون رؤية بصرية.
والحقيقة أنّ ما يُميّز أسلوب Khunav Saleh هو القدرة على مزج التجربة الشخصية بالرمزية العامة، بحيث يشعر المتلقي بأن اللوحة ليست مجرد رؤية فنية، بل رحلة ذاتية نحو ذاته، رحلة يرافقها الانبهار، والتساؤل، والدهشة. في النهاية، نجد أنفسنا أمام لوحة لا تروي قصة واحدة، بل تفتح لنا أبوابًا لقصص متعددة، حيث يلتقي الأسطورة بالواقع، والخيال بالحقيقة، والحضور بالغياب. فالرمزية في هذه اللوحة متشابكة بعناية. والقناع الذي يظهر في أحد أركانها ليس مجرد رمز للهوية المخبأة أو الغموض، بل دعوة صامتة للغوص في أعماق النفس البشرية لاستكشاف التناقض بين ما نراه وما نخفيه. أما الأسطورة هنا لا تأتي من حكاية قديمة، بل من إحساس متجدد بالعالم الداخلي للإنسان، حيث يتصارع الواقع مع الحلم في كل زاوية من اللوحة.
في الركن البعيد من اللوحة، يطل القناع كأنه وجه الحقيقة المجهولة. ليس القناع هنا إخفاءً للهوية، بل كشفٌ مضاعف عنها. إنه رمز الإنسان الذي يعيش في صراع بين الظهور والاختفاء، بين ما يبوح وما يكتم.
أما الألوان المتقابلة، الأرجواني والأزرق والذهبي، فهي رموز لحالات الوجود:
الأرجواني يدل على الحنين والرفعة الروحية،
الأزرق على الغياب والهدوء الميتافيزيقي،
والذهبي على الخلاص والخلود.
هكذا تتحول اللوحة إلى مرآة لروح الإنسان حين يتأمل وجهه الحقيقي خلف القناع، ويكتشف أن الجمال ليس ما نراه، بل ما نؤمن أنه كامن في الظل.
تستدعي Khunav Saleh في عملها روح الأسطورة لا من باب الحكاية، بل من باب الرؤية.
في ملامح اللوحة إشارات إلى أنثى بدائية مقدسة، تلك التي كانت تمسك بخيوط الفجر وتغزل منها ضوء الحياة.
هي ليست امرأة محددة، بل رمز الأنوثة الكونية، الرحم الأول الذي وُلد منه الكون.
هكذا، تندمج ملامح المرأة في اللوحة مع عناصر الطبيعة، التراب والضوء والماء، لتصنع ميثولوجيا جديدة، يكون فيها الجمال فعل خلقٍ أبديّ.
وتُقدِّم اللوحة نفسها كنصٍّ مفتوح على التأويل؛ لا تفرض معنى، بل تُثير سؤالًا:
من أنا في هذا العالم المتشقق بالألوان؟
هنا يتحد المتلقي مع اللوحة في حوارٍ صامت، يتجاوز ظاهر الشكل إلى باطن الشعور.
فمن يرى فيها حزنًا قد يكتشف أن الحزن كان طريقًا للجمال، ومن يراها صراعًا قد يكتشف أن الصراع هو ذاته ولادة جديدة.
في ضوء التحليل النقدي السابق للوحة، نرى أن لوحة Khunav Saleh ليست عملًا بصريًا فحسب، بل تجربة روحية وجمالية متكاملة.
كل لون فيها فكرة، وكل انحناءة تأمل، وكل ظلّ اعتراف.
لقد جمعت الفنانة بين الصرامة الأكاديمية والعفوية الشعرية، فصاغت عالمًا يعجز اللسان عن وصفه؛ فالجمال في اللوحة لا يُرى بالعين، بل يُحَسّ بالقلب.
وهكذا، تصبح لوحتها نبوءة في شكل لون، واعترافًا في هيئة ضوء، ورحلة لا تنتهي في عمق الإنسان.
استكملت الورقة النقدية بتاريخ الثلاثاء 4 / 11 / 2025 م.
mohammedalbordene@gmail.com
962776537021


Featured Post

ماذا بعد؟..بقلم: راتب كوبايا

ثقافات