ينظر إليّ،
أعرفه… ولا أراه.
وأنا الأعمى.
نسيم الربيع
حفيفه يمرّ فوق وجهي،
ولا أسمعه.
هدير البحر
في جوف الظلمة
وميضُ أمل.
سماء غائمة
يومض ضوء القمر،
أسمعه قبل أن يتكلّم.
محمد العلوي آمحمدي
حكايا الضاد في محراب الجنون، همسات ورؤى نقدية، تمردات ريشة وبقع ألوان، فلنتوحد حد أقاصي الملكوت
ينظر إليّ،
أعرفه… ولا أراه.
وأنا الأعمى.
نسيم الربيع
حفيفه يمرّ فوق وجهي،
ولا أسمعه.
هدير البحر
في جوف الظلمة
وميضُ أمل.
سماء غائمة
يومض ضوء القمر،
أسمعه قبل أن يتكلّم.
محمد العلوي آمحمدي
إلى وعد⁵
أكتب لكِ الآن كمن يمشي داخل ضبابٍ كثيف، يحمل معه خرافةً صغيرة عن نفسه،
ويخشى أن تنطفئ هذه الخرافة قبل أن يصل إليك... لم أعد أثق بذاكرتي،
أصبحتْ مثل خزان ماءٍ مثقوب، يُهدر ما تبقى من الأيام، قطرةً قطرة، حتى
باتت اللحظات تنسلّ، من بين أصابعي كأنني أحاول الإمساك بدخان متقطّع.
أحيانًا أصحو وأشعر، أن رأسي غرفة قديمة مكسورة النوافذ، يجتاحها هواءٌ
بارد قادم من ليلٍ لا أعرف مصدره... كل شيء بداخلها يتحرك داخلي ببطء: الأسماء،
الوجوه، الأماكن، الاثاث، والنوافذ... كل الأصوات تتداخل فيّ كأنها قادمة من غرفٍ
في مستشفى مجاور، لا أستطيع التمييز بينها، ولا أعرف أيها لي، وأيها مجرد هلوسة.
أخاف يا وعد؛
أخاف أن كل ما يحدث، ليس فقدًا للذاكرة فقط، أن يكون تلفٌ في الجانب الذي
كنتِ تقيمين فيه مني... كأنكِ تحاولين الخروج من رأسي، وتتركين ورائكِ كرسيًا
فارغًا يتحرك وحده، يبكي وحده، يغلبه البكاء فيضحك وحده، ويعرف أني لن أجلس عليه
مرة أخرى... أخشى تلك اللحظات، التي يتوقف فيها الزمن فجأة، ثم يعاود الدوران،
لكن بطريقة غريبة، مثل مروحة معطوبة تصدر صوتًا حادًا، ولا تمنح هواءً
كافيًا...
تلك اللحظات التي أسأل نفسي فيها:
هل قلت هذه الجملة من قبل؟ هل مشيت في هذا الشارع؟ هل أحببتُكِ حقًا… أم
أني اخترعتكِ لأستطيع التحمل؟
وليس هذا وحده ما يرعبني، ما يرعبني أكثر، أن الوطن نفسه بدأ يتسرب من
رأسي،
كأن الخراب أكل أطراف الذاكرة لدرجة أنني أضيّع الخرائط التي تربيت
عليها...
أحيانًا أنظر إلى العلم فأحسّه غريبًا،
ليس لأنه تغيّر… ربما لأن قلبي تغيّر.
كأنني أعيش في بلدٍ يرميني كل يوم خارجَه،
وأنا أعود، أعود كالمهزوم، كمن يطرق باب بيتٍ لم يعد بيته... أعود، وأعود.
تدرين يا وعد، ماذا يعني أن تحاول تذكّر بلدك، فلا تجد فيه سوى أصوات الانفجارات؟
ماذا يعني أن تتذكر الأزقة، فتتفجر في رأسك صور الشظايا بدلًا من أصوات
الطفولة؟
ماذا يعني أن تحاول استعادة رائحة الخريف، فتشمّ بدلًا منها رائحة
البلاستيك المحترق ولحمٍ مشوي لا تعرف لمن ينتمي؟..
أخشى يا وعد، أن يتحول الخراب إلى ذاكرة أصلية، وأن تختفي الذكريات
الجميلة، كأنها إشاعات… أخشى أن أصدق أننا، لم نكن يومًا سعداء، ولا آمنين، ولا
قادرين على الاحتضان... أخشى أن يصبح الوطن مجرد كابوسٍ قديم أستيقظ منه بلا
أسف...
والآن يا وعد،
اذا ما ضعتُ يومًا، وابتلعني النسيان كما تبتلع المدن الغارقة أبناءها،
فتذكّري فقط أنني حاولت… حاولت أن أكون نورًا صغيرًا في ظلامٍ مهول، حاولت أن أحمي
ما تبقى من قلبي ومن البلد، وحاولت، بكل ما فيَّ من وهن، أن أصل إليكِ… حتى لو
وصلتُ متأخرًا، مهزومًا، ومحمولًا على كتف الذاكرة المكسورة.
هذه نهاية الرسالة يا وعد…وليست نهاية الحكاية... فالروح — حتى حين تتلف —
تبحث بطريقةٍ ما، عن يدٍ تؤمن بأنها ما زالت تستحق أن تُمسَكَ بها.
الطيب عمر
رواية"غربة"للأديب فوزي نجاجرة.
بقلم -هدى عثمان.
المكان متخيّل-قرية
الحرافيش ومدينة السّلام.
الزّمان -الحاضر.
إنّ القارئ
لرواية"غربة" يتذكر بيت الشّعر "وظُلمُ ذوي القُربى أشدُّ مضاضةَ
-على المرءٖ
من وَقعِ الحسام المهندٖ"،ونودّ
لو نستطيع أن نغمض أعيننا؛لنقول هذا لا يحدث في مجتمعنا،ولكن هيهات للحقيقة أن تنام، ما دام القلم يكشف عن الأسرار دون خوف.
في
رواية"غربة" يُظهر بطل الرّواية
"محمود"مشاعر الغربة التي يعيشها هو وأخته صفية في ظلّ مجتمعه الذي
ظلمه،فالغربة ليست في البعد عن الوطن،ولكنها موجودة داخلنا،في أعماق القلب ،في
الناحية النّفسية،والعاطفية ،السياسيةوالاجتماعية.
ينتصر الأديب في روايته للأرامل واليتامى،ويصور
السّلطة الذكورية في المجتمع وأثرها على الشخصيات.
تتجلّى غربة محمود في
فقدانه هويته،وكرامته الإنسانية،وفي تمزقه الدّاخلي في صراعه مع المجتمع أثناء
مواجهته الصعوبات التّي حلّت بالعائلة.
كانت غربة محمود
الاجتماعية في فقده للبيئة الآمنة،بسبب ظلم ذوي القربى،فقد كان الأعمام والأخوال
سلبيين تجاه الأطفال اليتامى (محمود،وصفية)في عدم احتوائهم عاطفيا واجتماعيا
واقتصاديا،ولذا فإنه كان يشعر بالوحدة ،كان
الجدّ الكبير بالسّن الذي تجاوز التّسعين يتكفل برعايتهم!
تلك الغربة سببت له
مشاعر العجز في عدم استطاعته حماية أمه( بسبب سنه الصغير) التي دافعت عن نفسها في
رفضها الزواج من عيسى أخو زوجها المتوفى،وبالتالي تمّ الاعتداء عليها من قبل
إخوتها،وانتحارها بعد صراخ الرّفض والوجع.
أيضا،نجد العجز في
إيجاد حلّ لمنع زواج أخته صفية القاصرة ابنة الثالثة عشرة،التّي تزوجت رغما عنها
من خليل صاحب الأخلاق السّيئة الذي يكبرها بخمسة عشرة عاما،والغربة هي أيضا، في
الفقر العاطفي،فقد نسي أنه إنسان يحتاج للحب،فعلاقته العاطفية مع المديرة
"شهيرة" كانت غير عقلانية ولا منطقية،حين قرر أن يتزوج مديرته في
المدرسة، والتي بادرته مشاعر العاطفة بالرغم أنها تكبره بسنوات كثيرة وفي عمر
أمه،محمود كان جائع للحب، الذي وجده عند المديرة ،ونلاحظ مدى انفعاله المؤثر حين
بكى يصف حالته التي بحث عنها،بمعنى آخر، حالة الحب التي اجتاحته هي تعويض نفسي
وعاطفي عن برودة المجتمع القاسي الذي لم
يرحم ظروف عائلته(اليتم،الظلم)، لكنه بالنهاية لم ير النور بسبب وفاة المديرة.
لا تقتصر الغربة على
محمود فقط، كانت أيضا عند شهيرة بشكل جزئي،من الناحية العاطفية.وعند صفية بشكل
كبير مثل محمود.
من جهة أخرى كانت
الغربة محفزا لمحمود من أجل النهوض بنفسه،وتحويل غربته لإستقرار، سكن، وأمن،وذلك
من خلال تطويرنفسه،في تعلمه،وثمّ اقتصاديا مثل:مشروع مصنع الدجاج.
في نهاية
الرّواية،نجد أن محمود وجد نفسه التي يبحث عنها من خلال الأمن العاطفي في علاقته
مع زوجته حليمة التّي أحبها،وفي الناحية الاجتماعية من خلال بناء شجرة العائلة
الآمنة التي افتقدها في طفولته،فأصبح الخال،والأب،الخ.الوحدة تبدلت بحضرة العائلة
إلى مشاعر دافئة وحاضنة اجتماعيا.أمّا من الناحية السّياسية فقد ظلّت غربة
الفلسطيني وحده أمام ظلم الاحتلال.
يمرّر الأديب نجاجرة
من خلال هذه الرّواية صرخة قوية في وجه المجتمع المنافق دينيا واجتماعيا في عدم
تطبيقه لحقوق اليتيم من حيث مراعاته والاهتمام به،وفي الظلم الاجتماعي بين أفراد
المجتمع،بمعنى آخر"الإنفصام
الديني" كما ورد على لسان محمود.أثار الأديب نجاجرة مسألة تزويج
القاصرات في المجتمع،وإستغلال الطبقات الفقيرة،التّحرش الجنسي،الإشاعات الكاذبة
الفاسدة،والحرمان العاطفي.
اختار الأديب فوزي
نجاجرة،اسم قرية "الحرافيش" والحرافيش في اللّغة هي سفالة الناس
وأرذالهم،وعلاقة الحرافيش بالرّواية مرتبطة بتعامل أخوال وأعمام محمود إليه بصورة
سيئة وتصوّر سفلتهم تجاه عائلته.
أمّا مدينة السّلام
تبدو رمزا لميناء الرّوح المتعبة التي يبحث عنها
كلّ من محمود، صفية،الأرامل، واليتامى.
جاءت أغلب الشّخصيات
النسائية تحمل الصفات الإيجابية،بمقارنة بالشخصيات الذكورية كانت معظمها سلبية.
أسماء الشّخصيات-
حليمة-من الحلم
والصبر،كانت صابرة رغم الأذى والعنف من قبل المجتمع.
صفية-من الصفاء
والنقاء،كان قلبها نقي تحملت زوجها عيسى.
شهيرة- رغم شهرتها
كمديرة وغناها لكنها كانت فقيرة العاطفة،وحيدة.
محمود-كان من
الشاكرين لنعم الله،يحب مساعدة الآخرين.خليل-اسم لم يكن مناسبا؛ بسبب صفاته
السّيئة،فهو غير وفيّ.
كانت العاطفة
حزينة،والأحداث مأساوية،واللون الأسود يخيم على معظم الرّواية، جاء سرد الرّواية
بضمير المتكلّم على لسان محمود، وبعض الرّواة، من أجل الإفصاح عن مشاعرهم،
وأسرارهم الدّفينة.اقتبس الأديب بعض أقوال الفلاسفة،والكتاب،كما واستخدم الأمثال
وأبيات الشّعر،أمّا اللّغة فكانت سهلة،بسيطة،انسيابية.
طغت على الرّواية
سواد علاقة ذوي القربى ببعضهم البعض،لم يرحموا اليتامى والأرملة.وتبدو علاقة محمود
بأعمامه وأخواله انقطعت للأبد.والسؤال الذي يطرح ألم تتغير الظروف بعد كلّ هذه
السّنين الطويلة!هل ماتت الإنسانية في كلّ الأقارب ؟
أم هي إشارة أنّ
مجتمعنا في خطر!
سؤال آخر-كيف للجدّ
المسّن الذي تجاوز التّسعين عاما أن يراعي
الأيتام ؟بالرغم ممّا ذكر عن صحته الجيدة ونشاطه.
ورد في الرّواية جملة
"إعلان بالفيس بوك"ممّا يشير إلى أن الرّواية حدثت في الحاضر المتحضر
والمتطور،والسؤال أين القانون في المجتمع،أين المؤسسات الإجتماعية؟هل شاركوا في
تزويج القاصر؟لم يكن أي دور للمؤسسات في الرّواية.
من دفاتري/
يسمعني هسيسه ،يسمعني هسيسه هذا الحب ومافي
القلب إلا إياه،يأخذ بنبضي ويترعني فنجان القهوة ويقرأني مع أحرف جريدة الصباح
ويتركني مع هم صغير لا أعي عنوانا صريحا له ورغم ذلك أركض خلف هاجسه وأدون حالة
الألق في دفتر يومياتي وأكتب صرخة صريحة ومعلنة باتجاه وجه يؤول العلاقة لهذا الذي
يتعدى حدود الممكن من أجل علاقة صريحة،أكبت ابتسامة معنونة للصراخ إذا لم تأتي
وتشرح الضاد الدالة والعاجزة أن تفسر هذه السكون الصارخة والتي لا تفهم إلا من وجه
واحد وهو أنني بعد هذا الدرب الطويل الطويل لعلاقة الضاد بالنبض الصارخة-وأحتاج لحروف
صارخة-أنا أكثر علنا وأشد صراحة كي أغادر الظن باتجاه يقين ومن ثم معتقد لذيذ
التعب أحبه وأنتمي إليه.
يسمعني هسيسه خلف أروقة دمي،يناور بالذخيرة
الحية،يقتل ويصرع ولا يطاله قانون أو عرف وأخشاه أكثر مما كنت أخشى أبي.
لذلك لا عودة من هذا الدرب حتى لو سرنا القهقرى،فأنت
القدر ياأيها المعلن في أسرار الحب ومافي الحب إلا إياك وليس معنونا باسم الحب
سواك.
كمال مناع عيسى.
طرابلس ليبيا.