في زنزانة الاحتجاز - قصة قصيرة بقلم: د.محسن الرديني


 




------

في زنزانة الاحتجاز         

  قصة قصيرة ....           د.محسن الرديني                                                              احمد شاكر ، شاب جميل، شاعر متدفق، حالم ، ذو رومانسية عالية، يتيم الاب منذ صغره. اوصلته امه الى مرحلة  الدراسة الجامعية بظرف مادي قاس لا يوصف من حيث شدة البؤس والشقاء، كانت تصنع من جريد النخيل وسعفه  مكانس يدوية وتبيعها في السوق الشعبية بسعر زهيد لتوفر له متطلبات الدراسة. كان عند حسن ظنها دائما وتفوق في دراسته ودخل كلية الطب بمنحة حكومية للمتميزين واصبح طالبا مجدا موهوبا من بين اقرانه بل ومشهورا على صعيد الجامعة كلها  كشاعر جهبذ كذلك.  

   احب احمد ، لسوء حظه، زميلة له وهي من دولة خليجية وبادلته الحب بجنون وقررا الزواج بعد التخرج . قبل اسبوع واحد من  بدء الامتحانات النهائية من المرحلة الأخيرة ، نشر احمد  قصيدة فخر وامتنان وتعظيم لامه بعنوان ( سفر امي مع الانين ) شرح فيها معاناة امه من اجله وسهرها على تربيته تربية قويمة وايصاله الى ما وصل إليه ومشاعرها المتوقعة وهي تراه بعد أيام قلائل في طابور الخريجين طبيبا. كانت قصيدة تقطر دما وتفيض حزنا وفخرا ومجدا وعرفانا وكل من قرأها بكى لاجلها. صورت حبيبته الخليجية قصيدته من باب التباهي به وبعثتها لاختها تعلمها بأن حبيبها شاعر كبير من عائلة عصامية محافظة ومتمكن من عمله وموهبته الشعرية، قامت اختها بدورها بعرض القصيدة على امها التي تفاجات بأن ابنتها التي بعثتها لتدرس الطب في العراق لديها حبيب وظروفه كذا وكذا وتنوي الزواج منه بعد ايام قليلة.جن جنون الأم التي لم تحسن التصرف بحكمة وهدوء  وعقل ودراية او خوف حقيقي من ام على ابنتها من التداعيات الخطيرة المحتملة بل سارعت الى اخبار زوجها  بذلك دون حساب العواقب فاقام الزوج الدنيا عليها ولم يقعدها وحزم امره على الفور وسافر الى العراق متوعدا البنت والولد بالويل والثبور وعظائم الامور .التقى أولا بسفير بلاده في بغداد الذي اتصل بقنصل بلاده في المدينة التي تدرس فيها ابنته في محاولة لتاجيل امتحاناتها اوالسماح لها بالسفر او الغاء الدراسة فورا معللا ذلك بمرض امها المفاجئ وحاجتها لها دون تقديم تقارير طبية بذلك او الافصاح عن السبب الحقيقي، لكن الجامعة رفضت ذلك كون الامتحانات ستكون بعد يومين فقط، فاقترح الاب مضطرا السماح له بان يرافق ابنته داخل الحرم الجامعي لحين اكمالها الامتحانات فرفضت الجامعة هذا الطلب ايضا خصوصا انه شخص ليس عراقيا ومن بلد آخر وجراء ذلك، اذعن الاب مضطرا  الى السكن في احد فنادق المدينة طيلة مدة الامتحانات وكانت ابنته تكمل الامتحان ثم تعود الى الفندق وهكذا دواليك حتى إكملت امتحانات الكلية تحت عوامل الخوف والتهديد. غادرت الفتاة  العراق بمعية إبيها منتظرة بترقب ما يحدث، بل متوقعة المصير المحتوم وهو الموت المؤكد في بلادها غسلا لعار لم يقع لهم اصلا . اصبح احمد حينها كطير مذبوح يرقص من الألم، فهو لا يعرف ما ال إليه مصير حبيبته او في اي حال ستكون هناك في ظل اعراف جائرة موروثة او ماذا ستلاقي من أمر مجهول خاصة من اناس من دولة لا يعرف هوخصوصياتها القبلية و العشائرية واخذ يلوم نفسه بشدة ويبكي  فادلهمت الدنيا بوجهه وضاع اجمل حلم في حياته واعتزل الناس خائفا راجفا حائرا مرتبكا وبالكاد اكمل متطلبات النجاح فتخرج طبيبا. وكاقرانه الأطباء ، تم تغيينه بعد تخرجه في مناطق نائية قريبة من الحدود لغرض التدرج الطبي المطلوب . وبينما هو في هذه المرحلة من العمل ،حدث ما حدث، اندلعت حرب الخليج الثانية 1991 فوجد نفسه بلا موعد  في مخيم احتجاز في دولة عربية خليجية مجاورة للعراق وهو لا يعلم عن امه شيئا بسبب ظروف الحرب القائمة والاحتجاز القسري له . اخبر ادارة معسكر الاحتجاز  بانه طبيب فعومل معاملة خاصة وكانت له حظوة من ادارة المعسكر ، بل ان ضباطا كبارا اصبحوا اصدقاء له ومن المعجبين بشعره ومهنيته وثقافته العالية وشخصيته الدافئة الرصينة المحببة واسلوب حديثه وغزارة معلوماته وعلمه. كان المعسكر تحت رعاية  طبية جيدة وتحت اشراف كادر طبي متمرس مع بعض  الأطباء الجدد الذين ليس لديهم معلومات عنها. انقطعت اخبار اهله عنه تماما نتيجة لظروف الحرب و مكان الاحتجاز ،فقد اقلقه عدم معرفة اخبار امه وقلقها عليه وقلقه عليها وحاول بشتى الوسائل معرفة اخبارها دون جدوى ، فكلف واحدا من كبار الضباط في المعسكر ممن كانوا يكنون له الاحترام واالمودة وشرح له ظروف والدته وخوفه الشديد عليها كونه الابن الوحيد لها فاستجاب الضابط لطلبه ووعده بذلك. مر اسبوع فجاء الخبر الصاعق، أمك قد توفت منذ شهر،، فتوقف ميزان عقله وفقد حواسه وكاد نطقه منه يغيب واقترب كثيرا من حالات الجنون ومحاولة الانتحار لولا ادارة المعسكر وزملائه الذين اسعفوه بلحظة حاسمة. كتب مرثية طويلة لامه ذكر فيها كل ما يتذكره عنها ، ذكر شهقاتها وانينها وانحناء ظهرها ولحظات  فرحها وحزنها وضحكاتها القليلة ودموعها الكثيرة وخوفها المتواصل عليه وكيف كانت تنتظره في باب الدار تحت المطر حتى يعود من المدرسة حتى يدخل البيت وكل لحظة مرت امام ناظريه خاصة من  أيام طفولته فسجل هذه المرثية صوتيا بصوته الحزين  المختلط بالعبرات والحشرجات ونبرات الحزن والبكاء مع الانغام الحزينة لاغنية سعدون جابر يا امي فانتشرت هذه القصيدة و الاغنية المصاحبة لها عن الام كالنار في الهشيم وسمعتهاحبيبته التي بكت بكاء مرا وهي لا تعلم باحتجازه في بلدها وقررت البحث عنه ومعرفة اخباره مهما كان الثمن . وفي ذلك اليوم الممطر، الذي توقفت فوهات بنادق الحرب المجنونة واصبح الوضع في معسكر الاحتجاز افضل حالا، استدعته ادارة المعسكر لأمر هام ، وهنا كانت المفاجأة ؟ قبل ان يدخل باحة امر المعسكر سمع نغمة  صوت يشبه صوتها ات من بعيد ، يقترب يفترب رويدا رويدا، لا لا ليست هي ؟ بل هي، نعم هي! كاد  ان يفقد عقله.هل انا احلم؟ صاح مامور  القاعة مرحبا بها اهلها  بسعادة  الدكتورة سهى عبد بالعزيز نور الله، يا الهي اهي فعلا ام تشابه اسماء فقط ؟ احبيبة  الروح هنا ؟ توقفت الأرض عن الدوران ، تلعثم النطق ، غشيتالعيون وتجمد الأحساس و الدم في العروق وارتجف القلب فسقط مغشيا عليه ، فاقدا للنطق  والرؤيا تماما . لم تتمالك نفسها فاجهشت بالبكاء فظن الحضور انها متعاطفة مع شخص سجين ليس الا لكنها تماسكت برباطة جأش وطلبت نقله بمعيتها على وجه السرعة الى مستشفى آخر حددته هي. اجريت له فحوصات طبية كاملة تبين من خلالها تعرضه لصدمة حادة شبيهة بصدمة سماعه خبر موت امه . بعد ايام عدة، استفاق من غيبوبته متسائلا عن سبب مجيئه الى هذا المكان ؟ فكان الجواب أنك كنت مغشيا عليك لكنك كنت تنادي  ...انا سبب موتك.  انا سبب موتك يا سهى ولا نعلم اي سهى تقصد  فجاءت بك مصادفة الدكتورة  سهى نور الله مديرة  هذا المستشفى التي كانت في زيارة طيبة لمعسكر الاحتجاز  ولم تغادر سريرك طيلة المدة الماضية وتركت لك رسالة تحت مخدتك واوصت بعدم فتحها الا من فيلم شخصيا  .قرا  الرسالة بشغف فوجد ...

    عزيزي دكتور احمد ،عند ركوبي الطائرة من مطار بغداد الدولي  مع ابي راجعة الى بلادي  لمعاقبتي قلت له، ابي  ارجو ان تسمعني للمرة الأخيرة قبل تنفيذ ما تريد  فعله بي، اتريد  قتلي فعلا لظنك السوء بي؟ أنا لم ارتكب خطيئة بحقكم وحافظت على شرفي وشرفكم بامانة وحرص واخلاص ولم افسد والله شهيد على ما اقول لكنني كباقي البشر من دم ولحم  ومشاعر احببت شخصا نبيلا صادقا بامانة  وطهارة وشرف وامام الله والناس فارجوك يا ابي وطلبي الأخير هو ان تقرا مرثية الولد لامه فاذا وجدته عاقا طالحا غير بار بها اوعديم الأصل والاخلاق فاقتلني، الا تريد حفيدا صالحا يخاف الله بي وبك وصهرا يعرف الحق واهله بارا بمن حملته وارضعته فارضاها الله به خيرا؟ قراها ابي مرات عدة ففاضت عيناه دمعا وصفح عني وكافاني ببناء هذا المستشفى الكبير الخاص بي والذي ترقد فيه انت الان ، و اود ان اخبرك باني كتبت مرثية فيها محاكاة نثرية  لمرثيتك الحزينة عن أمك بعنوان حكايات من زمن الحب الممنوع ،رثيت فيها روحي التي باتت يتيمة بعدك و ختمتها بهذين البيتين..

سنلتقي اذا شاء اللقاء      ونلتقي اذا طال البقاء.      ونلتقي والاقدار تجمعنا. ونلتقي .....فاكمل يا احمد ان استطعت عجز هذا البيت الشعري الأخير ليكتمل المعنى .


نصوص هايكو بقلم : رضا ديداني

 





سيئة اليقظة

ايها الغبي، تقول الحكمة

القرصان والسمكية

 

دون دليل

يتبعني ظلي حتى حدوة حصانه

فرسان الرواية

 

على أهبة التصريح

يعاتب الحكيم السلطان

انتهت الحرب

 

#رضا_ديداني


إليها بقلم: عزت طاهر

 




إليها

إن لم تكن الشمس

كانت القمر والنجوم

يهتدي بها كل تائه.

في صحراء وليل.

أمام حرفك

تتفتح أهداب الورد

وتشرق الشمس من جديد.

امام حىفك.

تخط الحروف كطفل وليد.

صرخات

صداها زغاريد

وتسبيح وتهليل.

أحيانًا يحملنا للمكان العميد

أحيانًا ياخذنا للتاريخ التليد

وأكون منصفًا

أغيب وانتشل من ظلمة تلفنا كل يوم بتنكيد.


عزت طاهر


تشينى.. قناص بلا ندم بقلم: مهدي مصطفى

 





تشينى.. قناص بلا ندم

مهدى مصطفى

فى صباح بارد من شتاء تكساس عام 2006، خرجت رصاصة من بندقية ديك تشينى، فأصابت رفيقه فى رحلة صيد روتينية، فسجلتها السلطات حادثا عرضيا لا يستحق العقاب.

غير أن تلك الطلقة الطائشة بدت، فى ذاكرة التاريخ، رمزا مكثفا لمسيرة رجل تمرس فى إطلاق النار بلا ندم، من البرارى الأمريكية إلى صحارى المشرق، فقد جرب القنص مرتين: مرة فى الحقول، ومرة فى العراق.

مات ريتشارد بروس تشينى، يوم الثلاثاء الرابع من نوفمبر عام 2025، عن أربعة وثمانين عاما، بعد أن خاض خمس أزمات قلبية، وانتهى بقلب صناعي، ظل يخفق بالحروب حتى توقف.

 المفارقة أن رحيله جاء فى يوم ثلاثاء، تماما كيوم الثلاثاء الذى شهد سقوط برجى التجارة فى نيويورك عام 2001، حين بدأ الليل الأمريكى الطويل الذى كان تشينى أحد مهندسيه.

حين سقطت الأبراج فى لحظة غامضة من القرن الجديد، سارع تشينى باتهام تنظيم القاعدة الذى أنشأته بلاده فى حربها الباردة، وأطلق مع الرئيس جورج دبليو بوش شعارا ملأ الشاشات: «أمريكا تحت الهجوم».

الرد كان جاهزا قبل السؤال، والعدو مكتوبا اسمه فى دفاتر البنتاجون منذ زمن بعيد، فاندفعت القوات إلى أفغانستان، ثم إلى العراق، حيث كان النفط ينتظر الغزاة، كما تنتظر الفريسة صيادها.

فى أفغانستان، عادت «طالبان» من ظلال التاريخ، بعد أن كانت وليدة دعم أمريكى لـ «المجاهدين» ضد السوفييت، كما وثق فيلم «حرب تشارلى ويلسون»، أما العراق، المنهك بثلاثة عشر عاما من الحصار، فصار هدفا سهلا، ووجد تشينى فى دموع اللاجئين وغضب المنفيين ما يصلح ذريعة أخلاقية للحرب.

جاء جورج دبليو بوش إلى البيت الأبيض مترددا فى خوض مغامرات خارجية، لكن تشينى أقنعه بأن التاريخ يصنع بالقوة، وليس بالموعظة الحسنة.

 كان ديك تشينى قد خبر الحرب حين شغل وزارة الدفاع فى عهد بوش الأب، وقاد حملة الخليج الثانية عام 1991.

 ومع عودته إلى السلطة بعد عقد كامل، استعاد شهوة النار والخرائط، وخلال ثمانى سنوات عجاف شهد العالم سلسلة الحروب التى حملت توقيعه: هجمات سبتمبر، وغزو أفغانستان، وغزو العراق، وحربا مفتوحة ضد ما سمى بالإرهاب، وتعذيبا فى سجون جوانتانامو، وخلطا متعمدا بين المقاومة والدم، حتى استيقظت ذاكرة الكراهية بين الشرق والغرب من سباتها الطويل.

ادعى تشينى أن للعراق صلة بهجمات سبتمبر، واستند إلى رواية مفبركة عن لقاء مزعوم بين دبلوماسى عراقى وعضو من القاعدة، ثم رفع راية أسلحة الدمار الشامل لتبرير الغزو.

 وبعد أن احترقت بغداد، تحول الخطاب إلى حديث عن «نشر الديمقراطية فى الشرق الأوسط»، بينما كانت الوثائق الاستخباراتية تفضح زيف كل تلك الادعاءات.

وحين صدر تقرير مجلس الشيوخ الأمريكى عام 2014، عن التعذيب فى جوانتانامو، لم يبد تشينى أسفا، بل قال علنا إنه كان سيمنح منفذى التعذيب وسام الحرية، فى تصريحٍ يلخص عقيدته السياسية: لا ندم على القوة.

كان تشينى أحد رموز مدرسة المحافظين الجدد التى مزجت العقيدة الدينية بالقوة العسكرية، وتأثر بفكر منظرين مثل: ريتشارد بيرل وويليام كريستول، وترك وراءه تلاميذ يرون فى الحرب رسالة خلاص، وكان يؤمن بأن الهيمنة قدر أمريكي، وأن الشرق لا يفهم إلا بالبندقية.

فى سنواته الأخيرة، هاجم الرئيس الجمهورى الحالى، دونالد ترامب، ورفض دعمه، وصوت للديمقراطية، كامالا هاريس، فى انتخابات 2024، وشاركت ابنته ليز تشينى، الموقف ذاته، بعد أن خسرت مقعدها فى الكونجرس وغادرت الحزب الجمهورى وولايتها وايومنج.

عاش ديك تشينى متنقلا بين مكاتب البيت الأبيض، وغرف العمليات العسكرية منذ عهد ريتشارد نيكسون، مرورا بجيرالد فورد ورونالد ريجان وجورج بوش الأب ثم بوش الابن، وترك خلفه إرثا من الحروب يمتد من بغداد إلى كابول، ومن الخداع إلى الخراب.

رحل وهو يؤمن بأن القوة تصنع التاريخ، وأن الخطأ فى القنص يمكن أن يصبح «عقيدة السياسة».


هايكو بوح الصورة بقلم : سامية غمري

 





هايكو بوح الصورة
 
طيف الذاكرة
خلف المطر
مدينة الأحلام
 
حبات لؤلؤ
بحفل المطر تتحرر
أعناق سجينة
 
صمت الحديقة
على وقع المطر
ضجيج الذكريات
 
غياب و مطر
تنقر نافذة الشوق
دموع الفراق
 
رقعة خضراء
تزهر الأرض
مطر خفيفة
 
مقعد الإنتظار
غزيرة هذا المساء
زخات مطر
 
ورود يانعة
من وحي المطر تنزل
حروف القصائد
 
لقاء مؤجل
تبلل الدمع بالمطر
غرق الأمل

 

سامية غمري


Featured Post

ماذا بعد؟..بقلم: راتب كوبايا

ثقافات