القصيدة الثانية
تندارى 2
أو سيرة الاعتراف
فى فضاءِ الموتِ
تَمْشى،
كصباح شاحبٍ،
عابرةً بينَ جبال من
ظلامٍ،
دَخَلَتْ بقايا مطرٍ
فى غرفٍ تبكى،
وكانَ الصمتُ أشباحاً
ولم يبقَ من الماضى
سِواهَا
تتسلّلُ من التاريخِ،
تصيدُ الحنينَ من
العواصفِ،
تَنامُ قربَ رنين
المعبد المجروحِ،
تَسّاقطُ الأجراسُ،
تلمُّ أسمالَها،
وتنهضُ عاريةً من
الأيامِ،
- لا أيامَ لها لا
تاريخَ
يَعضُّ الفضاءُ
جبينَها،
يغرسُ، فى تجاعيد
وجهها،
مُدى،
تُذْبَحُ الزغاريدُ
من حلمها
تتداعى،
ويداها ممسكتانِ
بشباكِ الأفولِ، ..
.. ترى النهاراتِ
نائمةً،
على صافراتِ
الفُلْكِ،
والليالىَ جُثَثَاً
مرميّةً
على دَرَجِ الظلامِ،
وزبدَ الموجِ أسئلةً،
تُلَوّحُ بالوداعِ..
فتحبو على ركبتيها،
تجمعُ ما تَنَاثرَ
منها،
ما تناثر فيها، ...!!
رائحةُ الخوفِ،
وجهُ البخور،
نهاراتُ العُشَّاقِ،
جلالُ الموتِ،
انفجارُ الحياةِ،
بيارقُها فى الحروبِ،
غناؤها فى الأمانِ
أنهارُها،
صحراؤها،
وَحْلُها,
وبياضُ الأُفْقِ،
قاتلوها،
وقتلاها،
فلا تُمسكُ غيرَ
زوالٍ...
وسوِاها..
يتناسلُ الغيابُ فى
جسمها،
تنزفُ أعضاءَها،
تُلوّح للطوفانِ أن
يبقى قليلاً،
يُبَلّلُ جرحَها
بموسيقى الرمادِ،
فيعلو الموجُ ثَمِلاً
بالفناءِ،
تسكبُ بين فخذيها
صرخةً،
تدخلُ ذاكرةً
عمياءْ..
تفرحُ أنْ وَجَدَتْ
ذاكرةً بكراً،
فتسوّى حُلُمَاً
وثريات،
ونقوشاً ومعابدَ،
وحقولاً،
ومحبينَ، وأنواراً
ترقصُ تحت الماءِ،
وأبواباً تدخلُ منها
الأشجار حدائقَ،
فتدوّنُ تاريخاً،
وتفسّرُ كيفَ تكونُ
مسيْرتُهُ..
تُبصرُ صوتاً أبيضَ،
ودبيب خُطىً،
تتقاربُ،
تتغايرُ،
تتدانى،
تتقاصى،
- صَرَخَتْ: هل
أحْلُمْ..؟
لا...
هو ذا الوجهُ الغابرُ
يأتى،
يفتحُ مشكاةَ الروحِ،
يحطُّ على شباك الشجر
الآفل..
هل أَحَلُمْ..؟
تتغايرُ خطواتُ
الأصواتِ..
أراها خلفَ ورائى
وأمامى،
أتمايل فى الريح،
أشدُّ كهوفاً من جسدِ
العتمةِ،
تدخلُها أرحامُ
السنواتِ،
أرانى أبعدَ منى،
ومزنّرةً بى، عشرُ
نجيماتٍ سُوْدْ...
هُنا أو هُناكَ،
قِبابى مضمّخةٌ
بالسقوطِ،
وأشباحُها تتراقصُ
فوقَ نوافذها،
شجرى يترمّلُ،
أسماؤه تَمّحى،
مطرى هاربٌ،
دمى كان باباً
دخلتُ..!!
"أنا"
باحةُ الوقت،
كوكبُ الصمتِ كيف
حَلَلْتُ..؟
والسماواتُ أمٌّ
تتجّولُ فى أحلامى،
كيفَ أسقطُ الآنَ فى
الزوايا ميتةً،
لحظةً فى إِثرِ لحظة
غيرَ أنَّ روحى تقوم،
تركضُ فى مزِقىْ
نجوماً..!؟
فألُّمنى من شهقةٍ فى
زهرةٍ،
وشوارعٍ هَرِمَتْ،
وصبوةِ عاشقينِ،
ألُّمنى..
أأنا التى..؟
غسقٌ ينامُ على
يديها،
يشتهى جسدى،
يضاجعُ ما تبقّى من
جنونى..؟
تناثَر كلُّ شىءٍ،
لم يبقَ منى سواىَ،
كرصاصةٍ لا تنطلقُ
ولا تموتُ،
رصاصةٌ فى جعبة المحارب،
المحاربُ الذى محا من
خندقِهِ
وراءَ الرملِ، أسماءَ
حبيبتِهِ،
وتزوجَ انتظارَ
الموتْ...!
واقفةٌ بينَ يديكَ يا
بحرُ،
وَثمَّ عاشقٌ يدحرجُ
صمتَةُ،
يرمى المدائنَ فى
الفَناءْ..
ربما حنَّ إليها،
فى صباحاتٍ قديمة.
ومشى فى الشارعِ
الليلى يبكى عاشقيها،
هل لها فى قمرِ
الحانةِ عشاقٌ وموتى؟
بينما الحانةُ تنسى
كأسَها بين مرايا
الليلِ، أجراساً من
النزفٍ،
وأجراساً من الخوفٍ،
نَمَتْ عيناهُ كأسينِ
من الصمتِ،
جوادينِ يسيران إلى
جمر السؤالْ،
لحظةً فى سنواتٍ
غابراتٍ،
رَقَصتْ فوقَ
الرمادْ.
أنْحنى للرياحِ،
أحشو جراحىَ خرَقاً،
من رُعب التاريخِ،
وأرقصُ فى شبقِ تحتَ
بناياتى،
أُزايلُ أبوابى،
أراها تتطايرُ،
وتغلّقُ
تتطايرُ، وتُرشقُ فى
الغيم،
أخلّفُ وَجْهَ حنينى،
أصبحُ والموتى بينَ
الحوائطِ،
نرقصُ النهاياتْ..
البداياتُ تئنُّ
النهاياتُ ترنُّ
وأنا بينهما خيطٌ،
من المنفى أعِنُّ..
حينما تعبتُ،
قعدتُ تحتَ ظلّ حائطٍ
مُرْتبكٍ،
لمحتُ نقطةً بيضاءَ،
تبينُ وتختفى،
خلفَ ساحلٍ أسود،
عصبتُ رأسى بيدىَّ،
حدَقتُ رأيتُنى،
أبينُ وأختفى
فقطعتُ ما بينى
وبينى،
وبدأت فى محو ذاكرتى!
1ـ تَنْدْارى،
اسمٌ له رائحةُ
الوحلِ
والياضِ،
يمضى يظلّلُهُ الصمتُ
والرمادْ..
2ـ يكبرُ الندمُ الذى
جاءَ صغيراً,.
3ـ الشوارع التى كانت
بينَ...،
والمنفى والحقولِ،
انزوت فى زقاقٍ
معتمٍ،
لذا جاءها الطوفانْ،
4ـ العرافُ والكاهنُ
والحاكمُ،
يرسمونَ الجباناتْ.
5ـ الذى جاء لم يدخلِ
المدينةَ،
وظلَّ معلقاً فوق أسوارِها.
6ـ المرأةُ التى
أكلتْ من الشجرةِ،
لم تلد.
7ـ القوانينُ
والعلمُ،
ذهبا،
يتنزهان فى حدائقِ
العساكرْ.
8ـ ها أنا،
أبدأُ فى الأفولِ،
واسمى يلوّحُ
بالوداعْ
آخرَ الرغبة أمّحى،
أتذكرُ مرمرىَ
القديمَ،
قبابىَ،
نقوشىَ،
جبالَ الليالىْ،
النهاراتِ الميّتةَ،
رغبتى فى الجنسِ،
لصوصى، وحُكّامى،
خُرافاتى،
اغتصابَ أعضائى،
رائحةَ البردِ،
أتذكّرُ، وأشربُ من
ثدى الوداعِ،
الوداعّ. وألوّحُ
للبحرِ أنْ يسمعَ خُطى دمى!




.jpg)