شمس الهجير بقلم: بياض أحمد - المغرب

 




من مجموعتي الشعرية

//شمس الهجير //

النشر: دار ديوان العرب للنشر والتوزيع)

بور سعيد _مصر_

تدقيق لغوي: نجاح العالم السرطاوي

تصميم الغلاف: محمد وجيه

المقدمة: الناقد العراقي الأستاذ عدي العبادي

(الطبعة الأولى:2019

فاكهة الرمل***

كانت،

تستريح

 تحت

نكهة ظل.

تعيد

قراءة الأسماء.

تسطر

الشغف

المرسوم

على الحروف.

تنشد

زغردة

لحن الولادة.

تسافر

مع الغيم؛

حين

تبحث

عن الفجر.

وعلى عروق الضباب

تسأل

عن الشمس!

تعانق

غيث السؤال؟!

مالت

عن أغراس

الليل

سدى؛

لتكشف

عن غشاوة الطريق.

نطقت

بساحل الأفواه،

والبحر ليل

وخمرة المشارف

ظمأ!

ذ بياض أحمد المغرب


هايكو بقلم: أنور الأغبري

 




نصوص هايكو

زهر الفُل

سيكون شعري حين يشيب

ذو شذا!

___

أشجار الكافور

هل لأنكِ عقيمة

أعطيتِ أمومتكِ للطيور!

___

البحر يقهقه

ريش يمامة تتمايل على الماء

من يكون الغريق!

___

في الحديقة

الإضاءة خافتة ليلًا

المكان يتلألأ بالقُبل!

___

أوراق الصبار

ينفر منها الجميع

 لا قارئ لها!

___

كفى ثرثرة

قل زهرة توليب

وأمضي!

___

نسيم الصباح

لوهلة، ريش حمامة

يُربت على قطة!

___

اكتمال القمر

يسأل الولد أباه

أين أختفى شَعرك!

___

عاشقان

تعانق الشمس البحر

وقت الغروب!

___

يحرس البُن

يَسقي البُن وروحي

أبي!

______

أنور الأغبري

اليمن


حين يكتبني الحب بقلم د. ميسا مدراتي - سورية



حين يكتبني الحب

أشتاق للحنين الباذخ

لكل حرف أكتبه أضمه للمفاصل

أسرد بملامح كانت

تجاهد بين الصدى والظلال

عند سدرة البوح

أتوقف عند أنية الورد

عطرك لازال على قميصي المرهوم

حين يكتبني الحب

أعزف على ناي روحي

واتلافى زمرد الحركات

عندصقيع البرود ريح سارية

شراع بين القارب والشوق

حين يكتبني الحب

أتشوق عشقا

واتضور لهفة ياذاك

على وتين القلب

أرسمه على وريدي

ذكراه كادت تشق البوح

وجاريك بين أصابع القلب المفتون

حين يكتبني الحب

عند مرآة الهوى

رسم على أوراق الحنين

قصيدة ونثرها بين الظلال

مرآة الحب تجملت بالورود

عكست الضوء الناري

فرشت الأراضي أحلام

ولازالت أنتظر بين المسك والزعفران

د . ميسا مدراتي

سورية

 

قراءة نقدية في لوحة الفنان التشكيلي لقمان أحمد، بقلم: محمد حجازي البُرديني.





قراءة نقدية في لوحة الفنان التشكيلي لقمان أحمد.

بقلم: محمد حجازي البُرديني.

مدخل إلى الانطباع:

حين نقف أمام لوحة الفنان التشكيلي لقمان أحمد، ندرك أننا لا نواجه مجرد عمل بصري، بل عالمًا وجدانيًا متفجّرًا بالأحاسيس.

اللون عند لقمان ليس طلاءً يُسكب على السطح، بل صوت داخليٌّ يبوح بما لا يُقال.

فلوحته تنتمي إلى مدرسة الحرية والانفعال، حيث يتحوّل الماء واللون إلى كائنٍ حيّ ينبض بالعاطفة والبحث.

إنها ليست لوحة عن العالم، بل عن النظرة إلى العالم؛ ليست وصفًا للظاهر، بل ترجمة لما يجري في أعماق الروح.

وفي هذا تكمن فرادتها: أنها لا تسعى إلى الإقناع البصري بقدر ما تسعى إلى الإشراق الوجداني، إلى أن تهزّ المتلقي من الداخل.

المشاهد العادي، حين يقترب منها، لا يحتاج إلى ثقافة نقدية ليفهمها، لأنه يشعر بها قبل أن يفسّرها.

فهي تتحدث بلغة مشتركة بين جميع البشر: لغة اللون، والدهشة، والحلم.

التكوين واللون:

يبني الفنان لقمان أحمد لوحته على توازنٍ خفيٍّ بين التناقضات.

الجانب الأيمن تغشاه ظلال الأزرق والرمادي، حيث العمق والتأمل والسكينة، في حين يتوهّج الجانب الأيسر بالأصفر والبرتقالي والأحمر، ألوان الحياة والحركة والانبعاث.

بين المنطقتين يمتدّ جسر من الألوان الممزوجة، كأنه مساحة عبورٍ من الحزن إلى الأمل، أو من الصمت إلى الكلام.

الألوان عند لقمان ليست زينة، بل حالة نفسية كاملة.

الأزرق في لوحاته غالبًا ما يشير إلى الغور الداخلي للذات، بينما الأصفر شمسٌ تتسلّل من وراء الغيوم، أما الأحمر فهو نبض القلب وسط العاصفة.

ومن خلال هذا التفاعل اللوني، يخلق الفنان إيقاعًا بصريًا حيًّا يجعل العين لا تستقر، بل تتنقّل في فضاء اللوحة كما لو كانت تتجوّل داخل حلمٍ مفتوح.

اللون عنده لا يُحدّد الشكل، بل يُحرّر الروح من قوالبها.

وهنا نلمس نزعة فلسفية عميقة: فالتجريد عند لقمان ليس هروبًا من الواقع، بل محاولة لفهم جوهره الأعمق.

الحركة والإيقاع:

تنبض اللوحة بحركةٍ خفية تذكّر بإيقاع الموسيقى الحرة.

ضربات الفرشاة ليست عشوائية، بل مُفعمة بالنية الشعورية.

كل تموّجٍ في اللون هو أثر من نبضة داخلية، وكل انسيابٍ مائيٍّ هو أثر من زفيرٍ عاطفيٍّ عميق.

تتحرك العين بين الظلال والأنوار كما لو كانت تتتبع إيقاع قصيدةٍ غير مكتوبة.

وهناك، في منتصف اللوحة، خطوط رقيقة توحي بملامح كائنٍ أو وجهٍ أو طيفٍ أسطوري — لكنها لا تتضح تمامًا، وكأن الفنان يريدنا أن نكمّلها بخيالنا.

بهذا الغموض الجميل، يُبقي لقمان الحوار مفتوحًا بين اللوحة والمشاهد؛ فكل عين تراها بشكلٍ مختلف، وكل روحٍ تقرؤها بمعناها الخاص.

الحركة هنا ليست مادية، بل وجدانية؛ تتدفق من داخل اللون لا من خارجه.

إنها حركة الروح بين الغياب والظهور، بين الحلم والحقيقة، بين انفعال اللحظة وبصيرة الزمن.

الرموز والدلالات:

رغم تجريدها، تزخر لوحات لقمان أحمد بالرموز الضمنية والإشارات الباطنية.

اللون الأصفر المشع في مركز اللوحة يرمز إلى الروح المضيئة أو شمس الوعي الداخلي، بينما الأزرق الغامق على الأطراف يوحي بـ الليل أو الذاكرة الغامضة.

أما البقع الحمراء المتناثرة، فهي نبض الدم والحياة والمشاعر الإنسانية المشتعلة.

هكذا يتحوّل التكوين إلى خريطة روحية: صراع بين النور والظل، بين الأمل والقلق، بين الصوت والصمت.

لكن هذا الصراع لا يُنهي نفسه في انتصار طرفٍ على آخر، بل في تعايشٍ جميل بين المتناقضات.

وهنا تكمن فلسفة لقمان أحمد الجمالية — أنه يرى الجمال في التنافر، والوحدة في الاختلاف، والصفاء في التداخل.

إنه لا يقدّم رموزًا مغلقة، بل إشارات مفتوحة تدعو المتلقي إلى التأمل لا إلى التفسير.

لوحته تشبه حلمًا مشتركًا بين الفنان والعالم، يتبدّل مع كل نظرة ويعيد تعريف نفسه كل مرة.

الانفعال العام والخاتمة:

تترك لوحة لقمان أحمد في النفس أثرًا من السكينة الممزوجة بالدهشة.

فيها دفء الضوء وبرودة التأمل في آنٍ واحد.

الفراغات البيضاء ليست غيابًا، بل صمتٌ مُضيء يحمل نَفَسًا صوفيًا.

الفنان هنا لا يرسم مشهدًا من الخارج، بل ينحت لحظة داخلية من الوعي الجمالي.

كل لونٍ هو انفعال، وكل مسافةٍ بين الألوان هي لحظة تأمل أو تردّد بين الحلم والحقيقة.

إنه يرسم كما يتنفس، ويكتب باللون ما لا يمكن قوله بالكلمات.

من خلال هذه اللغة المائية الرهيفة، يقدّم لقمان أحمد فنًّا يتجاوز العين إلى القلب، ويُذكّرنا بأن الفن ليس موضوعًا للفهم بقدر ما هو تجربة للحسّ والشعور.

فلوحته ليست ترفًا بصريًا، بل تأملٌ في معنى الوجود الإنساني نفسه، في علاقته بالضوء والماء والزمن والذاكرة.

وهكذا، تتجلّى تجربة لقمان أحمد بوصفها رحلة داخلية نحو النور، ورغبة في الإمساك باللحظة الهاربة بين الفوضى والسكينة.

إنه فنان لا يرسم ما يراه، بل ما يشعر به حين يرى؛ وهذا ما يجعل أعماله صادقة وعميقة وباقية في الذاكرة.

بقلم:

محمد حجازي البُرديني.

ناقد وشاعر وباحث في الجماليات المعاصرة. 


 

قراءة في: نافورة الأمنيات بقلم: الهايكست الأديب عبد الجابر حبيب



نافورة الأمنيات –

 يَرمي قطعةً نقديّةً

 أعمى مبتسم.

 كريم فارس - العراق 

 

 

الهايكو، كما هو معروف لكلّ مَن جاور هذا الفنّ، ليس مجرّد نصٍّ صغيرٍ يتألّف من سبعةَ عشرَ مقطعاً صوتيّاً، بل هو ومضةُ وعيٍ كونيٍّ، تلتقط الطبيعةَ في لحظةِ صفاءٍ، دون أن تتدخّل فيها يدُ الشاعر إلّا كمرآةٍ صافيةٍ تعكس ما رأت.

 

لكنّ في قلب هذا الهدوء الياباني، يكمن الإنسان؛ كائنٌ من الطبيعة، لا خارجها، كما قال الشاعر الأردني محمود الرجبي: "كيف ترى أن الحلزون جزءٌ من الطبيعة، ولا ترى الإنسان كذلك؟"

 

هذه المقولة تُنير طريق قراءتنا لنصّ كريم فارس، إذ نجد في “نافورة الأمنيات” انزياحاً خفيفاً من مشهد الطبيعة إلى مشهدٍ إنسانيٍّ نابضٍ بالحياة، وهذا ما يجعل النصّ أقرب إلى هايكو البشر (Ningen Haiku) أو ما يُعرف بـ السنريو، الذي يركّز على الحياة اليومية، الناس، العادات، والمشاعر أكثر من التعلّق بالعناصر الطبيعية وحدها.

 

فالمشهد هنا ليس عن طائرٍ أو زهرةٍ أو غيمةٍ عابرة، بل عن قلبٍ بشريٍّ يُلقي قطعةَ نقدٍ في ماءٍ راقصٍ، باحثًا عن أملٍ لا يُرى.

 

من السطر الأوّل (نافورة الأمنيات)، يضعنا الهايجن في فضاءٍ حضريٍّ مألوفٍ، ولكنّه يُغمر بسحرٍ رمزيٍّ.

 

ليست النافورة مجرد بناءٍ حجريٍّ تتدفّق منه المياه، بل هي مسرحُ الرغبات، حيث تتقاطع أصوات المارّة، وضحكات الأطفال، وخفقات القلوب التي تطلب معجزةً صغيرة.

 

المشهد هنا مزدحمٌ، مشرقٌ، لكنه يحمل في أعماقه سؤالاً خفيّاً عن معنى التمنّي نفسه: هل يكفي أن نرمي قطعةً معدنيّةً لنقنع أنفسنا بأنّ شيئًا سيتغيّر؟

 

ثمّ تأتي حركة اليد في السطر الثاني (يرمي قطعة نقديّة) كـ مفصلٍ بصريٍّ حركيٍّ، وكأنّ الشاعر التقط اللحظة ذاتها التي تجمّدت فيها القطعة بين الهواء والماء.

 

هذه الومضة تتألّق بتقنية الـ يوغِن، الغموض المضيء الذي لا يشرح ولا يصرّح، بل يفتح باباً للخيال والتأمّل. فنحن لا نعرف مَن الذي يرمي، ولا ما أمنيته، لكنّنا نحسّ بثقل تلك القطعة وهي تغوص في أعماق الماء، كأنّها حلمٌ صغيرٌ يسقط في قلبٍ كبيرٍ منهك.

 

غير أنّ المفاجأة الجمالية تأتي في السطر الثالث (أعمى مبتسم) — لحظة التحوّل، لحظة الـ ساتوري، الاستنارة الفجائية التي تكشف المعنى وتفتح نوافذ الدهشة في روح القارئ. هنا ينقلب المشهد رأساً على عقب: لم يكن الراوي يتحدّث عن الجمع، بل عن فردٍ وحيدٍ يبتسم في ظلامه.

 

ابتسامته تُضيء النصّ كشمعةٍ في ليلٍ إنسانيٍّ كثيف. وهنا... تتحدث إلينا نافورة الأمنيات. فيغدو الماءُ صوتاً داخلياً خافتاً، يهمس في أعماق كلّ مَن اقترب منها: ارمِ حلمك، لا لتستجدي القدر، بل لتستيقظ فيك الحياة من جديد. لقد تحدثت لنا نافورة الأمنيات بلسانٍ مائيٍّ شفاف، تُخبرنا أن الأمنيات ليست طلبًا من الخارج، بل ارتعاشة من الداخل.

 

أن كل قطعة نقدٍ تُلقى في جوفها ليست مجرد معدنٍ بل نبضةُ رجاءٍ إنسانيٍّ تتردّد بين الماء والسماء. وفي لحظة ابتسام الأعمى، كانت النافورة تنصت؛ كانت تمنحه ضوءًا غير مرئيٍّ، ليبصر به ما لا تراه العيون. هذا “الأعمى المبتسم” هو صورة الإنسان في أسمى حالاته الروحيّة — الرؤية الباطنية التي تتجاوز الحواسّ. ربّما لم يرَ الماء ولا بريق القطعة، لكنه رأى بالأمل، أدرك أن الجمال لا يحتاج إلى عيونٍ مفتوحة بل إلى قلبٍ مبتهج.

 

هنا تتجلّى تقنية السابي — جلال البساطة والسكينة التي يولّدها الزمن والحزن — إلى جانب الوابي، جمال النقص، ودفء الأشياء غير الكاملة. تمامًا مثل ذلك الشعور الناقص عند الإنسان الذي فقد البصر، ولكنه لم يفقد الشعور بإنسانيّته، ولم يتخلَّ عن حقّه في أن يحلم ويبتسم.

 

في هذا النصّ القصير، ينجح كريم فارس في تحقيق التوازن بين المشهد الخارجي والداخلي، بين الحركة والتأمّل، بين العين والقلب. كلّ كلمة فيه تحمل أكثر مما تُظهر:

 

النافورة صوتُ الحياة، وصوت اللحظة التي ينسى فيها الأعمى أنه أعمى، والقطعة النقديّة فعلُ الإنسان البسيط الذي يخلق الأمل من الرماد، أما ابتسامة الأعمى فهي الإدراك الروحيّ الذي يسمو فوق الظاهر، ويحوّل الظلام إلى نورٍ داخليٍّ عميق.

 

إنّه نصّ يقطر وعياً جماليّاً وإنسانيّاً في آنٍ واحد، يُذكّرنا بأنّ الحلم، مثل الماء، لا يُمسك باليد، ولكنّه يُنعش القلب كلّما اقتربنا منه.

 

نصّ كريم فارس يبرق بتقنيات الهايكو من القطع (كيري)، المفارقة الشعوريّة، الومضة التأمّليّة، والانتقال من الواقعي إلى الإنساني دون أن يفقد عفويته.

 

وقد تماهى الشاعر مع روح السنريو، فحوّل لحظةً عابرة في ساحة المدينة إلى تأمّلٍ في جوهر الإنسان وأمنيّته الأبدية: أن يرى النور، ولو للحظةٍ واحدة، في عتمة الحياة.

 

Featured Post

ماذا بعد؟..بقلم: راتب كوبايا

ثقافات