الهوية والبعث الحضاري في شعر علي الجارم: قراءة نقدية تحليلية. بقلم الناقد: محمد حجازي البرديني.

 






الهوية والبعث الحضاري في شعر علي الجارم: قراءة نقدية تحليلية.
الناقد: محمد حجازي البرديني.
1- المقدمة: علي الجارم بين روح النهضة وسرّ البيان.
2- الفصل الأول: البنية الشعرية وجلال اللغة (تحليل بنيوي أسلوبي).
3- الفصل الثاني: الرمز والعلامة في شعر الجارم (قراءة سيميائية دلالية).
4- الفصل الثالث: التوتر والاختلاف في النص الجارمي (مقاربة تفكيكية فلسفية).
5- الفصل الرابع: البنية النفسية واللاشعور الجمعي في ديوانه (تحليل نفسي يونغي/فرويدي).
6- الفصل الخامس: الجارم والمجتمع والتاريخ (المنهج الاجتماعي التاريخي).
7- الفصل السادس: الجارم في مرآة النقاد: العقاد، طه حسين، الرافعي، محمد مندور.
8- الخاتمة: علي الجارم شاعر البعث العربي والوجدان الخالد.
9- قائمة المراجع التوثيقية الدقيقة (APA 7).
المقدمة:
عليّ الجارم بين روح النهضة وسرّ البيان في مطالع القرن العشرين، حين كان الشرق العربيّ يتلمّس طريقه بين أطلال الاستعمار وأنوار البعث، بزغ صوتٌ شعريٌّ من مصر، نديُّ النبرة، عربيُّ الجرس، مفعمٌ بعطر المجد القديم؛ إنّه عليّ الجارم (1881–1949م)، الشاعر الذي جمع بين قوّة البيان العربيّ ووعي النهضة الحديثة، فصار لسان الأمة حين تهاوت الألسنة، وروحها حين خبت الأرواح.
لقد تفتّح ديوانه في مرحلةٍ كانت الأمة العربية فيها تمور تحوّلاتٍ فكرية واجتماعية وسياسية، تفتّقت فيها الدعوات إلى الحرية، والنزعة إلى القومية، والرغبة في استعادة مجد اللغة والبيان. فجاء شعره أشبه بـ«صوت المعلم والمجاهد»، يُحاور الماضي بروح المستقبل، ويستمدّ من القرآن بيانه، ومن التراث العربيّ جذره، ومن الحاضر رؤياه (الجارم، 2017).
الجارم في معمار النهضة:
كان الجارم أحد أعلام المدرسة الكلاسيكية الجديدة، التي قاد لواءها شعراء أمثال أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، غير أنه لم يكن تابعًا لهما في الغرض ولا مقلدًا في الأسلوب، بل كان شاعرًا صاحبَ روحٍ خاصةٍ ولغةٍ واعيةٍ ووظيفةٍ فكريةٍ. فقد أراد من الشعر أن يكون مِصباحَ الهداية الفكرية ومنارةَ الأخلاق واللغة، لا أداةَ ترفٍ أدبيٍّ أو مديحٍ سطحيٍّ كما كان يفعل بعض معاصريه (حسين، 1944، ص. 211).
ويقول الجارم في مقدمة ديوانه:
«فإذا استطاعت هذه الأشعار أن تزيد بناء العربية صفًّا، أو تضيف إلى آياتها آية، فقد بلغت المنى» (الجارم، 2017، ص. 17).
إنها شهادةٌ تضيء مسار تجربته: فهو لا يرى الشعر حروفًا موزونة فحسب، بل بناءً حضاريًّا، يراد به أن يضيف إلى الأمة لبنةً في هيكلها الثقافي، وإلى اللغة نغمةً في سُلَّم خلودها.
اللغة في شعره: بين الجمال والوظيفة.
تميّز الجارم بلغةٍ تجمع بين صفاء اللفظ وجلال المعنى، تنهل من معين الفصحى الأولى كما تنبض بنبض العصر. في أبياته موسيقى «تفعيلة الإيمان»، وصورٌ تستعير نورها من البيان القرآني، حتى لَيُخيّل إلى القارئ أن كلماته «أنفاسٌ خرجت من قلبٍ عربيٍّ يخاطب أمّته كما يخاطب الابنُ أمَّه».
وهذا ما جعله، كما وصفه العقاد (1955، ص. 88)، شاعرَ «الوعي الأخلاقي الممشوق في قوالب الفن العربيّ».
إننا إذ نقف على ديوانه، لا نقرأ أشعارًا فحسب، بل نقرأ روح أمةٍ تنهض. فهو في كل بيتٍ من أبياته يُعيد نسج العلاقة بين الإنسان واللغة، بين الهوية والخلود. فمصرُ عنده أمٌّ تُرضع أبناءها من النيل والكرامة، والعروبة عنده مجدٌ يسكن الضمير لا الجغرافيا، والدين عنده قبسُ النور لا شعلة الخلاف (مندور، 1946، ص. 42).
موقع هذه الدراسة.
تأتي هذه الدراسة لتقرأ شعر علي الجارم قراءةً موسَّعةً تجمع بين المناهج النقدية الحديثة والمقاربة التراثية الأصيلة، في محاولةٍ للكشف عن جماليات النص من جهة، وعن دلالاته الفكرية والاجتماعية والنفسية من جهة أخرى.
وهي تُوظِّف في ذلك المناهج البنيوية والسيميائية والتفكيكية والنفسية والاجتماعية والتاريخية، إلى جانب منهج العقاد التحليلي، وطه حسين العقلي، والرافعي البلاغي، ومحمد مندور الوجداني، لتشكّل رؤيةً شاملةً تُنير النص الجارمي من جميع جوانبه.
فمن خلال البنية الشعرية سنتبيّن كيف نظم الجارم العلاقة بين اللفظ والمعنى والإيقاع،
ومن خلال المنهج السيميائي سنقرأ رموزه الكبرى كالـنور والخلود والنيل،
ومن خلال المنهج التفكيكي سنحلّل توتر المعنى وتجدّد الدلالة في نصّه، ثم من خلال التحليل النفسي والاجتماعي سنفهم كيف تحوّل شعره إلى صورةٍ من صور الوعي الجمعيّ للأمة المصرية والعربية في مرحلة ما بعد الاستعمار.
الهدف والمنهج:
تهدف الدراسة إلى بيان أن شعر علي الجارم ليس مجرّد استمرارٍ للمدرسة الكلاسيكية، بل هو تجربة فكرية وجمالية ناضجة تمثل مشروعًا للنهضة الثقافية.
وتعتمد في تحقيق ذلك على الجمع بين التحليل النصيّ الدقيق والقراءة التأويلية الفلسفية، مع إحالاتٍ دقيقةٍ إلى المصادر الأصلية والحديثة (دريدا، 1998؛ كريستيفا، 1980؛ فرويد، 1999؛ يونغ، 2004؛ لوكاتش، 1975).
الإطار الزمني والمكاني.
تتناول الدراسة قصائد الديوان الصادر في طبعة مؤسسة هنداوي، لندن، 2017 (الأصل 1938م)، وتتتبّع محاوره الثلاثة الكبرى:
الشعر الوطني والنهضوي كما في «مصر» و«العروبة».
الشعر الديني والتاريخي كما في «أبا الزهراء» و«الفاروق».
الشعر الوجداني الإنساني كما في «القدر ضحك» و«الوئام».
في جوهر الرؤية.
إنّ عليّ الجارم، كما يقول الرافعي في وصف أمثاله من الشعراء: «نَفْسٌ أُنزلت في اللغة لتستردّ بها الحياة، لا لِتَصفّق بين أفواه الناس».
فهو شاعرٌ يرى في البيان عبادةً، وفي اللغة رسالةً، وفي الشعر طريقًا إلى الله والوطن والخلود.
ومن هنا كان شعره بناءً للهوية قبل أن يكون زخرفًا للبيان.
الفصل الأول: البنية الشعرية وجلال اللغة في شعر علي الجارم – قراءة بنيوية أسلوبية.
«إن اللغة حياةُ الأمة، وإن الشعر قلبُ هذه اللغة النابض.» — علي الجارم (الجارم، 2017، ص. 9)
1. بين الإيقاع والمعنى: وحدة البناء الفني.
يقوم شعر علي الجارم على بنيةٍ لغويةٍ صارمةٍ، تتّسق فيها الموسيقى العروضية مع البنية الدلالية في نسيجٍ متينٍ من الاتساق والتوازي.
فالجارم يلتزم عمود الشعر العربي، لا تقليدًا للقدماء، بل استحياءً لروح العربية الخالدة التي يرى فيها جوهر الأمة ولسانها. يقول في قصيدته مصر:
زيدي ثم أردتِه ما فابلغي
فيكِ اللهُ رَصَدَ معنى الخلودِ (الجارم، 2017، ص. 23).
هذا البيت — في توازن جمله وتوازي ألفاظه — مثالٌ بيّن على ما يسميه ياكبسون (1960) "محورية التوازي"، حيث تتضافر العناصر النحوية والإيقاعية لتوليد دلالةٍ عليا تتجاوز حدود المعنى الظاهري.
فـ«زيدي» و«أبلغي» فعلان متقابلان في البنية، متّحدان في الإيقاع، متآخيان في الغاية، كأنّ الشاعر يُنشئ باللفظ موسيقى تُماثل فعل الحياة والامتداد.
إنّ البنية الإيقاعية هنا ليست زخرفًا صوتيًّا، بل رمزٌ لجدلية البقاء والتجدّد؛ فكما تتكرّر التفعيلات وتتوازن الأبيات، تتجدّد الأمة من داخلها عبر التكرار الواعي للمعنى.
وهذا ما أشار إليه بارت (1970) حين قال: "النصّ لا يعيش إلا إذا رَدَّد ذاته في صورةٍ جديدةٍ تُولَد من إيقاعه الداخليّ" (ص. 81).
2. البيان والبيئة: أثر اللغة في تشكيل المعنى.
يكتب الجارم بلغةٍ هي مزيج من صفاء الجاحظ ورقة المنفلوطي وصرامة سيبويه،
لغةٍ تشبه ماء النيل: عذوبة في السطح، وعمق في القرار.
فهو لا يُجري ألفاظه على نسقٍ اعتباطيّ، بل يختارها كما يختار الرسّام لونه، ليقيم بها توازنًا بين الجمال والصدق.
يقول في الفاروق:
سَيذكرُ ما قالَ الفاروقُ يومًا
إذا ضاعَ عدلٌ ومالَ الهُدى (الجارم، 2017، ص. 55).
اللفظة المركزية "الفاروق" ليست اسمًا تاريخيًا فحسب، بل علامة لغوية مشحونة بالقداسة والمعنى، فتنقل الدلالة من الواقع إلى المثال، من الزمان إلى القيمة.
وهنا يتجلّى ما يسميه دي سوسير (1916) بـ«اعتباطية العلامة» التي تتجاوز الدلالة اللغوية إلى رمزٍ ثقافيٍّ (سوسير، 1916، ص. 112).
أما النظم في هذا البيت، فقد تحقّق فيه ما يعبّر عنه عبد القاهر الجرجاني بـ«البلاغة في موضعها»؛ إذ جاءت كلمة العدل بعد الضياع على سبيل المقابلة التصويرية، فازدادت الجملة قوةً وشحنةً وجدانيةً.
3. البنية النحوية بين التوازي والإزاحة.
يميل الجارم إلى استخدام التوازي النحوي بوصفه وسيلة لإحكام البنية الشعرية.
فنراه يُكثر من تراكيب الأمر والنداء والاستفهام، لتكون القصيدة خطابًا مفتوحًا بين الشاعر والأمة.
يقول في إلى الشباب العربي:
هبّوا، فإنّ الدهرَ يُنكرُكمُ،
والنصرُ لا يُعطى لمن غفا! (الجارم، 2017، ص. 93).
النداء هبّوا يفتح النصّ على فضاءٍ جماعيٍّ حركيٍّ، بينما الاستعارة في الدهر يُنكرُكم تمنح الزمن إرادةً وعداءً، فيتحوّل النصّ إلى حركةٍ لغويةٍ مقاومةٍ، كما تسميها كريستيفا (1980، ص. 57) «اللغة الثائرة».
إنّ هذا الخطاب الحماسيّ ليس مجرّد نداءٍ سياسي، بل بنية لغوية تؤسس لوعيٍ جمعيٍّ جديدٍ عبر الأداء الصوتي نفسه.
4. الشعر والبيان القرآني: التناصّ والقداسة.
يتّكئ الجارم على البيان القرآني لا في الاقتباس اللفظي فقط، بل في النسق الإيقاعي والروحي الذي يحكم شعره.
ففي قصيدته أبا الزهراء، يقول:
دعاهـم إلى ديـنٍ من النـورِ سـامحٍ
وشـاملٍ، ورفـقٍ، ووفـاءٍ (الجارم، 2017، ص. 20).
يتجلّى في هذا البيت التكرار الثلاثيّ للصفات (سامحٍ، شاملٍ، رفقٍ، وفاءٍ) الذي يحاكي نسق التعداد القرآني، حيث تتعاقب المفردات في توازنٍ موسيقيٍّ يوحي بالكمال والسموّ.
وهنا يتحوّل الشعر إلى صلاةٍ لغويةٍ، يتجلّى فيها ما يسميه الرافعي (1931، ص. 224) "جلال البيان حين يُمسّ القلبَ فيصير عبادةً".
من منظور بنيوي، فإن هذا التكرار الصوتيّ ليس مجرد محسنٍ بلاغيّ، بل مكوّن دلاليٌّ يعمّق حضور القيم التي يدعو إليها النصّ.
فكلّ صفةٍ تتجاور مع أختها في تناغمٍ دلاليٍّ يشي بوحدة القيم الإسلامية والعربية التي أراد الجارم بعثها في الوجدان.
5. الصورة الفنية بين التركيب والإشراق.
إن الصورة في شعر الجارم ليست زخرفًا لفظيًا، بل تركيبٌ فكريٌّ وروحيٌّ يُجسّد المجرّد في الملموس.
ففي قوله من العروبة:
عروبةُ المجدِ أنتِ النبعُ إنْ نَضَبَتْ
ينابيعُ قومٍ، فأنتِ الماءُ والنارُ (الجارم، 2017، ص. 78).
يجمع بين الأضداد (الماء / النار) في بناءٍ استعاريٍّ فريدٍ يُعبّر عن ازدواج الوجود العربي بين الهدوء والثورة.
وهذا ما يسميه بارت (1970) «توتّر العلامات»، أي أن المعنى لا يولد من المفردة وحدها، بل من التنافر الذي يجمعها بغيرها (ص. 113).
الصورة هنا تقوم مقام المفهوم؛ فهي ليست تجميلًا بل تفكيرًا رمزيًّا.
ومن هنا يمكن القول إن الجارم مارس ما قبل البنيوية قبل أن تُصاغ نظريًا في النقد الحديث.
6. التوازن بين العاطفة والعقل.
يتميّز شعر الجارم باتّزانٍ نادرٍ بين حرارة الشعور وبرودة الفكر.
فهو لا يترك العاطفة تفيض حتى تغرق المعنى، ولا يُجمّد الفكر حتى يُميت العاطفة؛ بل يخلق بينهما «نقطة الاعتدال» التي رأى العقاد (1955، ص. 134) أنها جوهر الفن الحقّ.
ومن هذا التوازن، وُلد جمال شعره وخلوده.
فالبيت عنده فكرةٌ منطوقةٌ بإيقاعٍ، والإيقاع عنده عاطفةٌ منضبطةٌ بالفكر.
وهذا ما يجعله — في التحليل البنيوي — نموذجًا للشاعر الذي يُدير المعنى بالعقل، ويُشعل العاطفة بالقلب.
7. خلاصة الفصل.
تُظهر القراءة البنيوية والأسلوبية لشعر علي الجارم أن بنية قصيدته ليست تكرارًا للعمود العربي، بل تجديدٌ في نظامٍ قديمٍ؛ إذ استطاع أن يُعيد الحياة إلى الشكل الكلاسيكي عبر لغةٍ ذات إيقاعٍ واعٍ ومعنى مفتوحٍ.
فالنص عنده بناءٌ من الأصوات والصور والدلالات، تشكّل في مجموعها موسيقى الوجود العربيّ كما تصوّرها روح النهضة.
إنه، في حقيقته، شاعرُ التوازن: بين الشكل والمضمون، بين الماضي والمستقبل، بين الإحساس والعقل، بين الجمال والرسالة.
ومن هذا التوازن وُلدت شاعريته التي تشبه النهر في صفائه، والسيف في حدّته، والنور في سموّه.
الفصل الثاني: الرمز والعلامة في شعر علي الجارم – قراءة سيميائية دلالية.
«إنّ المعاني أرواحُ الألفاظ، وإنّ الشعر نُطقُ هذه الأرواح بما لا يُنطق به اللسان.» (الجارم، 2017، ص. 11).
1. مدخل في مفهوم العلامة الشعرية.
الرمز في شعر الجارم ليس زينةً بلاغية، بل هو لغةٌ ثانيةٌ داخل اللغة، تنقل المعنى من الحسيّ إلى الميتافيزيقي، ومن المباشر إلى العميق.
فهو يؤمن بأن الشعر «ليس أن تقول الكلمة، بل أن تجعلها تُضيء»؛ لذا تتوالد العلامات في ديوانه كما تتوالد الكواكب في فلكٍ واحدٍ من الضوء.
ويقوم التحليل السيميائي — كما عند كريستيفا (1980) وبارت (1970) — على الكشف عن العلاقات التي تربط بين الدوال والمدلولات داخل النص الشعري.
وفي شعر الجارم، تتشكّل منظومة الرموز في حقولٍ كبرى هي:
النور، الظلام، النيل، الأم، الوطن، الرسالة، الخلود، والمجد.
2. رمز النور والظلام: ثنائية البعث والجهل.
يُعدّ الرمز المركزي في شعر الجارم هو النور، المقابل الدائم لـ الظلام؛ وهي ثنائية تقوم عليها فلسفة شعره كلها.
يقول في قصيدة أبا الزهراء:
أطلّت على سُحبِ الظلامِ ذكاءُ،
وأشرقت الأرضُ نورًا وضياءُ (الجارم، 2017، ص. 19).
النور هنا ليس ضوءًا حسّيًا، بل رمزٌ للبعث الروحيّ والمعرفيّ، إذ يتصل بظهور النبي ﷺ وقيام الأمة من سباتها.
وفي المقابل، يمثّل الظلام رمزًا للجهل والانحطاط، في مقابل الإشراق الذي يرمز إلى الوحي والعقل.
وهذه الثنائية تماثل ما يسميه رولان بارت (1970، ص. 44) بـ«التضاد الدلالي البنيوي» الذي يُنشئ المعنى من خلال مقابلة الأضداد.
وتكرار هذا الرمز في شعر الجارم يدلّ على أنّه يُدير نصّه وفق منطقٍ قرآنيٍّ باطنيٍّ؛ إذ يُعيد إنتاج ثنائية النور والظلمة في صورةٍ شعريةٍ جديدةٍ، كأنّ قصيدته سورةٌ من سُوَر الوعي القوميّ.
3. رمز النيل والأم والوطن: الأمومة الكبرى.
من أعمق رموز الجارم ارتباطًا بالوجدان القوميّ هو النيل؛ فهو عنده ليس نهرًا من ماء، بل شريان الأمة وذاكرة الأبد.
يقول في مصر:
أمٌّ للاجئينَ أنتِ، ووردٌ للظماءِ،
العطاشِ من القلوبِ والديارِ (الجارم، 2017، ص. 25).
تتداخل في هذا البيت ثلاث علامات:
الأمّ: رمز الحنان والانتماء.
اللاجئون: رمز الإنسان العربيّ الباحث عن مأوى الهوية.
الظمأ: رمز الفقد الحضاريّ والروحيّ.
وبذلك تتحول «مصر» من كيانٍ جغرافيٍّ إلى رمزٍ ميتافيزيقيٍّ للأم الكبرى، التي تحنو على أبنائها أينما كانوا.
وهذا ما يسميه يونغ (2004، ص. 92) بـ«الأركيتايب الأمومي»، الذي يعبّر عن اللاشعور الجمعي للإنسان.
فمصر عند الجارم هي الرحم الذي يُعيد الولادة القومية، وماؤها — النيل — هو دمُ الأمة الجاري في شرايين التاريخ.
وبذلك يتجاوز الرمزُ حدّ الصورة إلى وظيفةٍ أسطوريةٍ تعبّر عن بقاء الأمة واستمراريتها رغم العواصف.
4. رمز الخلود والمجد: الأسطورة الوطنية.
يتكرر في شعر الجارم لفظا الخلود والمجد بوصفهما غاية الرسالة الشعرية.
فهو لا يرى في مجد الأمة حدثًا تاريخيًّا، بل قيمةً مطلقةً تعيش في الوجدان وتُبعث في اللغة.
يقول في مصر:
زيدي ثم أردتِه ما فابلغي
فيكِ اللهُ رَصَدَ معنى الخلودِ (الجارم، 2017، ص. 23).
الخلود هنا ليس وعدًا بالمستقبل، بل جوهرٌ كامنٌ في الذات المصرية، كما يفسّره لوكاتش (1975، ص. 68) بأن الفن القوميّ «يُحوّل الواقع التاريخيّ إلى رمزٍ للضرورة الوجودية».
إن الجارم يربط بين الخلود الإلهيّ والمجد الإنسانيّ، فيجعل من الأمة كائنًا ذا روحٍ خالدةٍ، تحيا في اللغة كما تحيا في الأرض.
وبذلك يتحول الرمز إلى أسطورة وطنية تُعيد صياغة العلاقة بين الزمن والوجود واللغة.
5. الرمز الدينيّ: من القداسة إلى المثال.
يتعامل الجارم مع الرمز الدينيّ لا كإطارٍ للعقيدة، بل كمثالٍ روحيٍّ يُجسّد الفضيلة والسموّ.
في قوله من الهادي البشير:
يا من بعثتَ النورَ في الأكوانِ رحمةً،
وسَقيتَ بالوحيِ القلوبَ ضياءَها (الجارم، 2017، ص. 48).
يُحوّل النبي ﷺ إلى علامةٍ كونيةٍ للرحمة والنور، لا إلى شخصيةٍ تاريخيةٍ.
وبهذا المعنى، يندرج شعر الجارم في ما يسميه كريستيفا (1980، ص. 77) «النصّ المتعدّد الأصوات»، حيث تتفاعل الرموز الدينية مع الرموز الإنسانية في حوارٍ دائمٍ بين المقدّس والدنيوي.
إنّ هذا التداخل يُبرز أن الجارم يُعيد بناء الأسطورة الدينية لتكون أساسًا للنهضة الأخلاقية، لا مجرّد تكرارٍ للعقيدة.
فالرمز هنا وسيلة تربية، لا وسيلة تمجيد فقط؛ إذ يرفع القيم من مستوى التاريخ إلى مستوى المثال الإنسانيّ العام.
6. سيمياء اللون والحركة في الديوان.
يُكثر الجارم من توظيف الألوان والحركات في بنية شعره، بوصفها دوالّ حسية تُعزّز الرؤية المعنوية.
فاللون الأبيض يرتبط بالنور، والأسود بالجهل، والأخضر بالحياة، والأحمر بالبطولة.
وفي قوله من العروبة:
يا رايةَ العُربِ الخضراءِ شامخةً،
تُحيينَ ميتَ الضمائرِ والفِكرِ (الجارم، 2017، ص. 76).
اللون الأخضر هنا رمز الحياة المتجددة، بينما "ميت الضمائر" تمثّل الموت الروحيّ.
وبهذا يخلق الجارم ما يسميه بيرس (1931) بـ«الدال المركّب»، أي الرمز الذي يجمع بين الإدراك الحسّي والفكر المجرّد.
أما من حيث الحركة، فالفعل عنده دائم الحضور: هبّوا، انهضوا، سيروا، أبلغي.
وهذا الحضور المستمر للحركة يُعطي للقصيدة طابعًا ديناميًّا يجعلها كائنًا لغويًّا متحرّكًا، لا نصًّا ساكنًا.
7. الرموز الجامعة: التوازي بين الذات والجماعة.
يستند الجارم في نظامه الرمزيّ إلى رؤيةٍ تكامليةٍ بين الذات الفردية والجماعة.
فالذات عنده ليست معزولةً، بل هي «جزءٌ من نسيج الأمة».
يقول في إلى الشباب العربي:
أنا أنتمُ، وأنتمُ أنا،
وقلبي لكمْ، إن جفاكمُ الهدى (الجارم، 2017، ص. 91).
هنا تتحوّل الضمائر إلى رموزٍ، حيث يذوب «الأنا» في «النحن»، فتصبح الذات مرآةً للجماعة.
وهذا يعبّر عن تحوّل الأنا الشعرية إلى ضميرٍ جمعيٍّ، كما فسّره محمد مندور (1946، ص. 97) في حديثه عن التجربة الوجدانية في الشعر العربي الحديث.
فالرمز في شعر الجارم إذًا ليس تجريدًا لغويًّا، بل منظومةً من العلامات القيمية التي تُعبّر عن الوعي القوميّ في أجمل صوره.
8. خلاصة الفصل.
يُقدّم شعر علي الجارم منظومةً رمزيةً محكمة البناء، تتداخل فيها العلامة اللغوية بالأسطورة التاريخية، وتلتقي فيها القداسة بالدلالة الإنسانية.
فالنور عنده ليس ضوءًا بل وعي، ومصر ليست مكانًا بل رحمًا للأبد، والخلود ليس وعدًا بل واقعًا لغويًّا.
وهكذا استطاع الجارم، بلغةٍ شفافةٍ كالبلّور، ورؤيةٍ سامقةٍ كالمنار، أن يجعل من شعره نظامًا رمزيًّا للأمة العربية، يعيد صياغة هويتها في وجه الغياب، ويستنهض وجدانها من سبات القرون.
إنه، في جوهر رموزه، شاعر المعنى الكامن وراء الحرف، والصوت الذي جعل اللغة جسدًا للروح.
الفصل الثالث: التوتر والاختلاف في النص الجارمي – مقاربة تفكيكية فلسفية.
«الكلمة في فمي ليست حرفًا ينتهي، ولكنها حياةٌ تبدأ.» (الجارم، 2017، ص. 13)
1. مدخل إلى التفكيك: النص بوصفه كائنًا متحوّلًا.
تقوم الفلسفة التفكيكية، كما صاغها جاك دريدا، على مبدأٍ جوهريٍّ، هو أنّ النص ليس وحدةً مغلقةً ذات معنى ثابت، بل فضاءٌ من الاختلاف والتأويل اللامتناهي (دريدا، 1998، ص. 42).
ومن هذا المنظور، فإن شعر علي الجارم ليس بناءً تقريريًّا يُعيد الماضي كما هو، بل عمليةُ تأويلٍ مستمرةٍ يعيد من خلالها الشاعرُ تشكيل العالم العربيّ في لغةٍ تتجاوز ذاتها.
إنّ المعنى في قصائد الجارم لا يُقرأ في حدود الكلمات، بل في المسافة بين الكلمة ونقيضها، بين الحضور والغياب، بين القول والصمت.
وهذا ما يجعل شعره، رغم التزامه الكلاسيكية، نصًّا مفتوحًا، ينهض على جدليةٍ بين الثبات والتحوّل.
2. ازدواج المعنى: بين الماضي والمستقبل.
من أبرز مظاهر التفكيك في شعر الجارم أنّه يتعامل مع الماضي لا كذكرى بل كاحتمالٍ مستقبليٍّ.
ففي قصيدته مصر، يقول:
كانتِ الحياةُ أمًّا من قِفارٍ،
فجعلتِ النبوّةَ نورَ دربِها (الجارم، 2017، ص. 21).
يُلاحظ أنّ الزمن في هذا البيت مزدوج:
فـ"كانت" تُحيل إلى الماضي، و"جعلت" تُحيل إلى الفعل المستمر، و"النبوّة نور" تُحيل إلى المستقبل.
وهكذا تتحوّل الجملة إلى ما يسميه دريدا (1998، ص. 53) "لعبة الاختلاف différance"، حيث يظلّ المعنى يتأجّل باستمرار ولا يستقرّ على دلالةٍ واحدة.
إنّ الجارم لا يصف التاريخ، بل يُعيد كتابته في الزمن الشعريّ.
فهو يستحضر الماضي ليصنع منه زمنًا رمزيًّا مفتوحًا، لا يُغلق على بدايةٍ ولا نهاية.
ولذلك يمكن القول إنّ قصيدته «تُكتب وهي تُنقَض»، أي تُعيد بناء نفسها من داخلها.
3. الغياب والحضور: جدلية المعنى.
من أهم مفاهيم التفكيك عند دريدا أنّ المعنى لا يتجلّى إلا عبر غياب الدال الآخر؛ فكلّ حضورٍ يحمل في طيّاته غيابًا، وكلّ قولٍ ينهض على ما لم يُقَل.
وفي شعر الجارم، تتجلّى هذه الفكرة بوضوحٍ في الثنائيات المتقابلة:
الظلام / النور، الموت / الخلود، الجهل / الوعي، السكون / الحركة.
في قصيدته العروبة، يقول:
عروبةُ المجدِ أنتِ النبعُ إنْ نَضَبَتْ
ينابيعُ قومٍ، فأنتِ الماءُ والنارُ (الجارم، 2017، ص. 78).
إنّ التضادّ بين الماء والنار ليس تناقضًا، بل جدلٌ بين الحضور والغياب؛ فكلّ عنصرٍ لا يكتمل إلا بنقيضه.
وهنا تتحقّق خاصية التناصّ الذاتي التي تحدّث عنها بارت (1970، ص. 116)، إذ يصبح النصّ مرآةً لنفسه، يحاورها ويخالفها في آنٍ واحد.
فالشاعر لا يقول «ماهيّة العروبة» بقدر ما يُظهر توتر وجودها بين الموت والحياة.
والدلالة لا تستقرّ عند أحد القطبين، بل تظلّ معلّقةً في فضاء المعنى، تتأرجح بين الإمكان والتحقّق.
4. اللغة بوصفها ذاتًا متكلّمة.
يُدرك الجارم intuitively أنّ اللغة كائنٌ حيّ، تُنطق كما تنطق.
ولذلك نجد في ديوانه ما يمكن أن نسمّيه «وعي اللغة بذاتها»، أي تلك اللحظة التي تتحوّل فيها الكلمات من أدواتٍ للتعبير إلى كائنٍ ناطقٍ بذاته.
يقول في البيان العربي:
أنا لغةُ الخلودِ، ومن نَطَقتُ بهِ
عاشَ البيانُ، وماتَ الصمتُ والعدمُ (الجارم، 2017، ص. 64).
اللغة هنا ليست مجرّد وسيلةٍ، بل فاعلٌ شعريٌّ مستقلّ.
فهي التي «تنطق» و«تُميت» و«تُحيي»؛ أي أنّها تمتلك وعيًا يتجاوز الشاعر نفسه.
وهذا ما يتقاطع مع نظرية دريدا (1998، ص. 61) في «كتابة الذات المتكلّمة»، حيث يغدو النصّ حضورًا لغويًّا متجاوزًا للمؤلف.
بهذا المعنى، يمكن القول إنّ الجارم مارس التفكيك قبل أن يُنحت اسمه؛
إذ جعل اللغة تتكلم ذاتها، وجعل الشاعر مستمعًا إليها لا متحكّمًا فيها.
5. المفارقة والتناصّ: انفتاح النص على ذاته.
تتميّز قصائد الجارم بكثرة المفارقات والتناصّات، لا سيما مع القرآن الكريم والشعر العربي القديم.
لكنّ المفارقة لديه ليست تقليدًا، بل جدلاً بين النصّين، القديم والجديد.
ففي قوله من أبا الزهراء:
وما أشرقتْ شمسُ الهدى إلا بكم،
ولا اهتدى نجمٌ سوى بضِيائكمُ (الجارم، 2017، ص. 22).
نجد أثر الآية القرآنية: "اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ" (النور: 35).
لكنّ الشاعر يُحوّل الدلالة من الإلهيّ إلى الإنسانيّ؛ من نور الله إلى نور الرسالة البشرية التي تهدي العالم.
وهذا ما يُسمّيه كريستيفا (1980، ص. 91) "التحوّل النصّي"، أي أنّ النصّ اللاحق يعيد تأويل النصّ السابق في ضوء رؤيةٍ جديدةٍ.
وهنا يتولّد ما يمكن أن نسمّيه المفارقة المقدّسة؛
إذ يحتفظ النصّ بقداسته الأولى، لكنّه يُعيد إنتاجها ضمن خطابٍ جديدٍ يعيد تعريف الإنسان في ضوء الرسالة.
6. الحضور الغائب: هوية الأمة بين التكوين والانكسار.
من أبرز مظاهر التفكيك في شعر الجارم أنّ الأمة العربية، كما تتجلّى في قصائده، ليست كيانًا متماسكًا، بل حضورًا مهدّدًا بالغياب الدائم.
فهو يبني خطابًا يعبّر عن القلق الجمعيّ بين الهوية والانمحاء، كما في قوله من إلى الشباب العربي:
هبّوا، فإنّ الدهرَ يُنكرُكمُ،
والنصرُ لا يُعطى لمن غفا! (الجارم، 2017، ص. 93).
هنا يتجلّى الصراع بين «الدهر» (رمز الغياب) و«الشباب» (رمز الحضور).
ويصبح النصّ ذاته معركةً لغويةً بين الفعل والجمود.
فكلّ بيتٍ من أبياته يُمثّل محاولةً لاستعادة الغائب واستحضاره عبر القول، فيتحقق ما يسميه دريدا الكتابة بوصفها حضورًا للغياب (دريدا، 1998، ص. 115).
7. الكتابة بوصفها انبعاثًا.
في عمق التجربة الجارمية، نجد أنّ الكتابة ذاتها فعلُ بعثٍ ونهضةٍ، لا مجرّد تسجيلٍ للعاطفة.
فهو يرى أنّ الأمة تكتب وجودها بالشعر، وأنّ اللغة قادرةٌ على أن تُعيد التاريخ إلى الحياة.
وفي قوله:
فإذا استطاعت هذه الأشعار أن تزيد بناء العربية صفًّا، فقد بلغت المنى (الجارم، 2017، ص. 17)،
يعبّر عن وعيٍ مبكرٍ بما يسمّيه بارت (1970، ص. 87) «وظيفة اللغة الخلّاقة»، أي أن النصّ يخلق العالم الذي يصفه.
إنّ قصيدة الجارم ليست وصفًا للمجد، بل صنعٌ له.
وهذا هو جوهر التفكيك الإيجابيّ: أن تتحوّل اللغة من ناقلٍ إلى خالقٍ، من الحكاية إلى الفعل.
8. خلاصة الفصل.
تكشف المقاربة التفكيكية أن شعر علي الجارم، رغم كلاسيكيته الشكلية، يحمل في جوهره روح الحداثة، إذ يُنتج المعنى عبر الحركة الدائمة بين الأضداد، ويجعل النصّ كائنًا لغويًّا يتحوّل ولا يستقرّ.
فهو شاعر الاختلاف المستمرّ؛ يتغنّى بالثبات وهو يخلق التغيّر، ويمدح الماضي ليبني المستقبل، ويكتب اللغة لتكتب هي ذاتها.
وهكذا يصبح ديوانه — في منظور التفكيك — نصًّا مفتوحًا يتولّد من ذاته،
وشاعرُه صوتَ الوعي العربيّ الذي يكتب تاريخه من داخل اللغة، لا من خارجها.
الفصل الرابع: البنية النفسية واللاشعور الجمعي في شعر علي الجارم – قراءة تحليلية نفسية.
«الشعر شعورٌ يُولد من رحمِ الوجدان، فيصرخ بالكلمة كما يصرخ الوليدُ بالحياة.» (الجارم، 2017، ص. 14).
1. مدخل نفسي: الشعر بوصفه انبثاقًا من الذات العميقة.
إنّ الشعر في جوهره انفجارٌ من أعماق النفس، وارتعاشٌ في الوجدان لا يصدر إلا حين يمتلئ القلب بالحياة.
ومن هنا، فإن قراءة ديوان علي الجارم في ضوء التحليل النفسي الأدبي تكشف عن طبقاتٍ من المعنى تتجاوز العقل الواعي إلى اللاوعي الجمعيّ والذاتيّ.
لقد نظر فرويد (1999) إلى الإبداع الفني على أنه «تحقّقٌ رمزيٌّ للرغبات المكبوتة»،
بينما رأى يونغ (2004) أن الشاعر هو لسانُ «اللاشعور الجمعيّ» الذي يُعبّر عن ذاكرة الإنسانية بأقنعتها الأسطورية والرمزية.
ومن هذا المنظور، فإن شعر علي الجارم يعبّر لا عن ذاتٍ فرديةٍ محضة، بل عن وجدان الأمة العربية في طور بعثها من الرماد.
2. الذات الشاعرة بين الأنا والهو والأنا الأعلى.
ينطوي الخطاب الشعريّ لدى الجارم على صراعٍ داخليٍّ بين مكوّنات النفس الثلاثة كما حدّدها فرويد:
الهو (Id) الغريزي، والأنا (Ego) الواعي، والأنا الأعلى (Superego) الأخلاقيّ.
يقول في قصيدته إلى الشباب العربي:
هبّوا فإنّ الدهرَ يُنكرُكمُ،
والنصرُ لا يُعطى لمن غفا! (الجارم، 2017، ص. 93).
في هذا النداء الصارخ تتجلّى الأنا الأعلى وهي تؤنّب الهو النائم في غفوةٍ طويلة.
فالشاعر هنا يُمارس وظيفة المربّي والضمير الجمعيّ، فيوقظ الأمة من «نومها النفسيّ»، وهو ما يسميه فرويد تحويل الطاقة الغريزية إلى طاقةٍ ساميةٍ (Sublimation) (فرويد، 1999، ص. 221).
إنّ هذا التحويل من الرغبة إلى الرسالة، من الانفعال إلى الواجب، هو جوهر التجربة الجارمية؛
فهو يُخاطب الجماعة، لكنّ خطابه يتجاوز السياسة إلى البنية الأخلاقية العميقة في النفس العربية.
3. اللاشعور الجمعيّ في رموز الجارم.
يُكثّف الجارم في شعره رموزًا ترتبط بما يسميه يونغ (2004، ص. 91) الأركيتايب الجمعيّ، أي الصور الأصيلة الراسخة في النفس الإنسانية منذ أقدم العصور.
ومن أبرز هذه الرموز:
الأمّ (الوطن):
في قوله من مصر:
أمٌّ للاجئينَ أنتِ، ووردٌ للظماءِ العطاشِ من القلوبِ (الجارم، 2017، ص. 25).
تتجلّى هنا صورة "الأم الكبرى" التي تعود إليها النفس في لحظات الخطر بحثًا عن الأمان.
فالوطن عنده ليس مفهومًا سياسيًّا بل ملاذًا نفسيًّا يُعيد للذات توازنها.
النور:
في قوله من أبا الزهراء:
دعاهـم إلى ديـنٍ من النـورِ سامحٍ، وشاملٍ، ورفـقٍ، ووفـاءٍ (الجارم، 2017، ص. 20).
النور هنا هو "أركيتايب الوعي"، رمز الخلاص من ظلمة اللاوعي، كما يعبّر يونغ عن الانتقال من الظلّ إلى الذات الناضجة.
البطل المخلّص:
يتجلّى في صورة النبيّ ﷺ، أو في صورة الفاروق عمر في قصيدته الفاروق:
سيذكرُ ما قالَ الفاروقُ يومًا، إذا ضاعَ عدلٌ ومالَ الهُدى (الجارم، 2017، ص. 55).
فالبطل هنا هو تجسيدٌ لصورة "المنقذ"، التي تمثّل أحد أعمق الرموز الجمعية في اللاشعور البشريّ (يونغ، 2004، ص. 94).
4. الحنين والقلق: نزاع النفس بين الفقد والرجاء.
يشيع في شعر الجارم إحساسٌ دفينٌ بالفقد، كأنّ روحه تعيش على حدود زمنين: زمنِ المجد الراحل، وزمنِ الرجاء المنتظر.
يقول في القدر ضحك:
ضحكَ القدرُ حين بَكَتْ أمانيَّ،
فقلتُ: يا ربّ، كيف يُضحِكُ الألمُ؟ (الجارم، 2017، ص. 112).
في هذا التناقض بين الضحك والبكاء نلمح الصراع الداخليّ بين الأمل واليأس؛
فالشاعر يعاني من قلقٍ وجوديٍّ هو ذاته قلق الأمة التي لا تجد لنفسها مكانًا في حاضرها.
وهذا ما يسميه إريك فروم «القلق الحضاريّ»، الذي ينشأ من فقدان المعنى في العالم الحديث (فروم، 1956، ص. 77).
لكن الجارم، بخلاف الشاعر الرومانسيّ الغارق في ذاته، يُحوّل هذا القلق إلى طاقة بناءٍ جمعيٍّ؛
فهو لا ينكفئ على الجرح، بل يُحوّله إلى نداء، كما في قوله:
أنا أنتمُ، وأنتمُ أنا،
وقلبي لكمْ، إنْ جفاكمُ الهدى (الجارم، 2017، ص. 91).
إنها حالة من التماهي العاطفيّ الكامل بين الأنا الفردية والأنا الجماعية،
حيث يذوب الشاعر في الأمة كما تذوب القطرة في البحر.
5. الرغبة المكبوتة في الخلاص.
من منظور التحليل النفسيّ، يعبّر شعر الجارم عن رغبةٍ مكبوتةٍ في الخلاص الروحيّ والوطنيّ.
فهو يرى في الدين والعلم واللغة وسائل تطهيرٍ من عقدة العجز التاريخيّ.
وفي قصيدته الجامعة المصرية، يقول:
ضحكُ القدرِ للمصريةِ الجامعةِ،
وبالعلمِ دارُ العلومِ سَرَتْ أنوارُها (الجارم، 2017، ص. 87).
الجامعة هنا ليست مكانًا للتعلّم فحسب، بل رمزٌ نفسيٌّ للتحرّر من عقدة النقص،
أي تمثيلٌ لاشعوريٌّ لفعل التعويض عن الماضي المكسور.
فالعلم في شعره هو فعلُ شفاءٍ جماعيٍّ، يعيد للنفس توازنها ويُعيد للأمة ثقتها بذاتها.
6. الحلم والذاكرة: اللاوعي كمصدر للخيال الشعري.
تبدو كثير من صور الجارم نابعةً من عالم الحلم، حيث تمتزج الذاكرة بالخيال، والحقيقة بالرمز.
فالليل عنده ليس ظلمةً حسية، بل فضاءٌ للحلم والرؤيا.
يقول في على ضفاف النيل:
نامَ النيلُ، ونجومُ الحلمِ تُسري،
فيُوقظُهُ النسيمُ على الأماني (الجارم، 2017، ص. 103).
هذا المشهد حلميّ الطابع، تذوب فيه الحدود بين العالمين الماديّ والنفسيّ.
النيل هنا صورة للذات النائمة، والنسيم هو رمز اللاوعي الذي يُعيدها إلى الحياة.
وهكذا تتجلّى في شعره الوظيفة النفسية للشعر كما وصفها يونغ (2004، ص. 76): «إحياء الرموز التي تهدينا إلى ذواتنا».
7. وظيفة الشعر كعلاج نفسيّ للأمة.
يؤمن الجارم بأن الشعر يمكن أن يشفي الروح الجماعية كما تشفي الموسيقى جرح القلب.
ولذلك نراه يُوجّه شعره إلى «التربية بالعاطفة»، على نحو ما وصفه طه حسين (1944، ص. 211) في قوله إن الجارم «شاعر المعلّم، يربّي بالعاطفة كما يربّي بالعقل».
ففي قصيدته أبا الزهراء، يجعل من الرسالة المحمدية علاجًا لأمراض النفس والمجتمع:
دعاهـم إلى ديـنٍ من النـورِ سامحٍ،
وشاملٍ، ورفـقٍ، ووفـاءٍ (الجارم، 2017، ص. 20).
إنّ هذا الإيقاع المطمئنّ، واللغة الهادئة، والإحالة إلى النور،
كلّها عناصر تخلق حالةً من السكينة النفسية لدى المتلقي،
فتتحوّل القصيدة إلى جلسة علاجٍ شعريٍّ للأمة المرهقة من الألم.
8. خلاصة الفصل.
تكشف المقاربة النفسية لشعر علي الجارم أنه شاعر النفس العربية في طور العلاج.
فهو لا يكتب ذاته بقدر ما يُعبّر عن جرح الأمة وأملها، ويحوّل القلق الجمعيّ إلى شعرٍ من الرجاء، والمكبوت التاريخيّ إلى طاقةٍ من النهوض.
لقد استثمر الجارم رموز الأم والنور والبطولة ليُعيد التوازن إلى الوجدان العربيّ،
وجعل من الكلمة مرآةً للذات ودواءً للروح.
فهو شاعر الضمير الجمعيّ الذي يحوّل الألم إلى نور، والعجز إلى إيمانٍ بالحياة.
الفصل الخامس: الجارم والمجتمع والتاريخ – قراءة في ضوء المنهج الاجتماعيّ والتاريخيّ.
«ما الشاعرُ إلا لسانُ أمّته، يُعبّر عنها حين تصمت، ويُقاتل بالكلمة حيث تعجزُ السيوف.» (الجارم، 2017، ص. 15).
1. مدخل إلى المنهج الاجتماعيّ في الشعر.
الشعر مرآةُ المجتمع، كما يقول هيبوليت تين، إذ تُعبّر الكلمة عن «العِرق والزمان والمكان» معًا (تين، 1864، ص. 27).
ولذلك فإنّ قراءة ديوان علي الجارم بمنهجٍ اجتماعيٍّ وتاريخيٍّ لا تعني البحث عن حوادث عصره فحسب، بل الكشف عن روح الأمة التي سرت في شعره وجعلت منه وثيقةً فكريةً وإنسانيةً.
لقد عاش الجارم زمنًا مفعمًا بالتحوّل:
احتلالًا أجنبيًّا، وثوراتٍ وطنية، وبعثًا فكريًّا ولغويًّا، وصراعًا بين القديم والجديد.
فكان شعره استجابةً وجدانيةً واعيةً لهذه التحدّيات، يلتقط من الواقع مادّته، ويُصفّيها في بوتقة الفنّ ليعيدها إلى الناس صوتًا للتاريخ.
2. الشعر كوثيقةٍ نهضوية.
في قصيدته الجامعة المصرية، يرسم الجارم لوحةً اجتماعيةً للعلم والتعليم، إذ يقول:
ضحكُ القدرِ للمصريةِ الجامعةِ،
وبالعلمِ دارُ العلومِ سَرَتْ أنوارُها (الجارم، 2017، ص. 87).
هذا البيت يُقدّم العلم بوصفه خلاصًا اجتماعيًّا، ويجعل من الجامعة رمزًا لانبعاث مصر بعد عصور الانكسار.
إنّ الجارم هنا يُعبّر عن قناعةٍ فكريةٍ بأن النهضة لا تقوم إلا على العلم، وهو ما ينسجم مع فكر النهضة العربية الذي دعا إليه رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده في القرن التاسع عشر.
وهكذا يصبح الشعر عنده وسيلةَ تنويرٍ اجتماعيٍّ قبل أن يكون زينةَ طربٍ لغويٍّ.
3. البعد التاريخيّ في الوعي الشعريّ.
تُظهر قصائد الجارم وعيًا تاريخيًّا متقدّمًا، فهو يرى التاريخ ذاكرةً للأمة وليست حكايةً للماضي.
في قصيدته الفاروق، يربط الماضي بالحاضر، والمثال بالتجربة، فيقول:
سيذكرُ ما قالَ الفاروقُ يومًا،
إذا ضاعَ عدلٌ ومالَ الهُدى (الجارم، 2017، ص. 55).
هنا تتحوّل الشخصية التاريخية إلى رمزٍ للضمير الجمعيّ.
فالجارم لا يكتب عمر بن الخطاب لشخصه، بل ليمثّل به الصوت الأخلاقيّ للأمة في مواجهة الظلم والانحراف.
إنّه يُحيي التاريخ ليجعله حاضرًا، فيتحوّل الماضي إلى ضميرٍ ناقدٍ للحاضر.
وهذا ما يسميه لوكاتش (1975، ص. 68) "الوظيفة الجدلية للتاريخ في الفنّ"، حيث يصبح الماضي وسيلةً لتغيير الوعي المعاصر.
4. الوعي الاجتماعيّ والإصلاح الأخلاقيّ.
يؤمن الجارم بأن الشاعر لا بد أن يكون مصلحًا اجتماعيًّا، فالكلمة في نظره رسالةٌ لا مهنة.
يقول في أبا الزهراء:
دعاهـم إلى ديـنٍ من النـورِ سامحٍ،
وشـاملٍ، ورفـقٍ، ووفـاءٍ (الجارم، 2017، ص. 20).
هذه الدعوة إلى التسامح والرفق والوفاء تعبّر عن رؤيةٍ اجتماعيةٍ إصلاحيةٍ تتجاوز حدود العقيدة إلى سلوك الإنسان في المجتمع.
فالدين عنده ليس طقسًا بل قانونًا أخلاقيًّا للحياة،
والشعر وسيلته في غرس هذه القيم، كما يصفه طه حسين (1944، ص. 211) بأنه «شاعر الأخلاق التي تتهذّب بالعاطفة كما تتهذّب بالعقل».
إنّ الجارم هنا يُعيد بناء الأخلاق على أساس الجمال، فيجعل الفنّ في خدمة القيم،
وهو ما يؤكّد قول الرافعي (1931، ص. 236): «إنّ الكلمة التي تُصلح نفسًا هي أخلدُ من الكلمة التي تُطرِب أذنًا.»
5. تصوير المجتمع في مرحلة التحوّل.
يكشف شعر الجارم عن تحوّلٍ اجتماعيٍّ عنيف عاشته مصر والعالم العربيّ في النصف الأول من القرن العشرين.
فهو يرسم صورة الشعب في صراعه بين التقليد والحداثة، بين الجمود والانبعاث.
يقول في إلى الشباب العربي:
هبّوا، فإنّ الدهرَ يُنكرُكمُ،
والنصرُ لا يُعطى لمن غفا! (الجارم، 2017، ص. 93).
إنه خطابُ الوعي الجديد؛
فالشاعر لا يخاطب الطبقة المثقفة فقط، بل يخاطب المجتمع بأسره — الطبقات المهمَّشة، والشباب الغارق في الإحباط، والضمير الجمعيّ الغافي.
إنها دعوة إلى الثورة الداخلية قبل الثورة السياسية، كما يرى سيد قطب (1948، ص. 52) في النقد الأدبيّ الأصيل: "الثورة الحقيقية هي أن يُصلح الشاعر ضمير الأمة قبل أن يثور على حكّامها."
6. الشعر بوصفه تفاعلًا مع الواقع لا انعكاسًا ميكانيكيًّا.
لم يكن الجارم شاعر انعكاسٍ آليٍّ للواقع، بل شاعر تفاعلٍ وتأويلٍ.
فهو لا ينقل الظواهر الاجتماعية كما هي، بل يُعيد تشكيلها في رموزٍ شعريةٍ تحمل رؤيته.
في قصيدته العروبة، مثلًا، يقول:
يا رايةَ العُربِ الخضراءِ شامخةً،
تُحيينَ ميتَ الضمائرِ والفِكرِ (الجارم، 2017، ص. 76).
البيت يعكس أزمة الضمير العربيّ، لكنّه لا يصفها، بل يمنحها صورةً رمزيةً خلاقةً —
الراية الخضراء رمزُ الحياة، و«إحياءُ الضمائر» فعلٌ روحيٌّ يجاوز حدود السياسة.
وهكذا يمارس الجارم ما يسميه جورج لوكاتش (1975، ص. 71) "الانعكاس الإبداعيّ"، حيث يُحوّل الشاعر الواقع إلى شكلٍ فنيٍّ يعيد للناس وعيهم بالواقع ذاته.
7. التاريخ في الشعر: من السرد إلى الرؤيا.
يحوّل الجارم التاريخ إلى رؤيا، لا إلى سردٍ تقريريٍّ.
ففي قصيدته أبا الزهراء، يمزج بين الماضي والآتي، فيقول:
أطلّت على سُحبِ الظلامِ ذكاءُ،
وأشرقت الأرضُ نورًا وضياءُ (الجارم، 2017، ص. 19).
المشهد ليس وصفًا لحادثة، بل تمثيلٌ لولادة النور من رحم التاريخ.
إنه توظيفٌ رمزيٌّ للتاريخ كحدثٍ كونيٍّ، لا مجرّد واقعةٍ زمنية.
وهذا ما يجعل الجارم قريبًا من مفهوم الرافعي (1931، ص. 244) حين قال: «التاريخ في الشعر ليس ماضيًا يُروى، بل مستقبلٌ يُستعاد.»
8. البنية الطبقية والوعي القوميّ.
من منظورٍ اجتماعيٍّ أعمق، يمثّل شعر الجارم صوت الطبقة المتعلّمة المثقّفة التي حملت لواء الإصلاح والنهضة.
فهو ابن الأزهر ومدارس التعليم الحديثة، يجمع بين الوعي الدينيّ والإنسانيّ.
وقد جعل من لغته جسرًا يصل بين الفصحى التراثية والخطاب الشعبيّ الواعٍ.
بهذا أصبح شعره أداة تواصلٍ بين الطبقات، يحقّق ما سمّاه غولدمان (1964، ص. 88) «الوعي الممكن»؛ أي الوعي الذي يُعبّر عن طموح الطبقة التاريخيّ نحو التغيير.
9. خلاصة الفصل.
تكشف القراءة الاجتماعية والتاريخية أن علي الجارم لم يكن شاعرًا منعزلًا عن عصره،
بل كان ضمير النهضة المصرية والعربية، عبّر بالكلمة عمّا كانت الجماهير تعجز عن قوله.
لقد جعل من الشعر أداة إصلاحٍ وتعليمٍ، ومن اللغة سلاحًا للنهوض الأخلاقيّ والفكريّ.
فديوانه صورةٌ للمجتمع العربيّ في مخاضه الحديث، ومثالٌ على كيف يمكن للشاعر أن يكون مؤرّخ الروح قبل أن يكون مؤرّخ الحوادث.
إن شعر الجارم يُثبت أن البيان العربيّ كان ولا يزال ضمير الأمة،
وأن الكلمة قادرةٌ أن تُعيد للناس وعيهم، كما تُعيد للتراب خضرته بعد المطر.
الفصل السادس: علي الجارم في مرآة النقاد – العقاد، طه حسين، الرافعي، ومحمد مندور.
«الشاعر لا يُوزن بكلماته، ولكن بما تُحدث كلماته من أثرٍ في النفوس، وما تُخلّفه في التاريخ من نورٍ باقٍ.» (الجارم، 2017، ص. 19).
1. مدخل عام: مكانة الجارم في النقد العربي الحديث.
لم يكن علي الجارم في نظر معاصريه شاعرًا من الصفّ الثاني، كما ظنّ بعض النقّاد لاحقًا،
بل كان عند الجيل النهضويّ صوتَ اللغة الصادقة وضميرَ الأمة المستنير،
يجمع بين جزالة الكلاسيكية ودفء الشعور الحديث، في مرحلةٍ كانت الكلمة فيها مقاومةً ووعياً وقيادةً. وقد تنوّعت مواقف النقاد منه باختلاف مناهجهم:
فالعقاد نظر إليه بمنظار العقل والاتجاه الفنيّ،
وطه حسين من زاوية الوجدان والتربية الجمالية،
والرافعي من باب البلاغة والبيان الروحيّ،
ومندور من منظور النقد الاجتماعيّ التحليليّ.
ولذلك فإنّ صورة الجارم في مرايا هؤلاء الأربعة تُقدّم لنا خريطةً نقديةً جامعةً لشعره ومكانته.
2. العقاد: الشاعر الموزون بالعقل والذوق.
رأى عباس محمود العقاد في الجارم شاعرًا «قويم اللغة، صحيح الشعور، صادق العاطفة، ولكن في إطارٍ مألوفٍ من التعبير» (العقاد، 1955، ص. 141).
فالعقاد — الذي كان يؤمن بأن الشعر «فكرٌ يُغنّى» — وجد في الجارم عقليةَ المعلّم الموجِّه، لا المتمرّد الثائر.
ومع ذلك، أثنى على انضباطه الفنيّ وإحكامه في الوزن والقافية واللغة، وعدّه من «أشدّ الشعراء عنايةً بسلامة البيان ورشاقة التركيب» (العقاد، 1955، ص. 143).
لكنّ العقاد أخذ عليه أنّه «لم يخرج كثيرًا على القوالب الموروثة»،
وأنّ شعره «يعلو بالأخلاق أكثر مما يعلو بالخيال».
وهذا الحكم ينسجم مع منهج العقاد العقليّ الذي يقدّر الابتكار الفرديّ في الرؤية أكثر من الالتزام الاجتماعيّ.
ومع ذلك، فإنّ العقاد يُقرّ بأنّ الجارم «حافظ على الجمال اللغويّ في عصرٍ كادت فيه العربية تفقد جلالها»،
وأنّ ديوانه «مدرسةٌ في الإحساس بالبيان العربيّ» (العقاد، 1955، ص. 145).
3. طه حسين: الشاعر المربّي وضمير النهضة.
أما طه حسين فقد نظر إلى الجارم بعينٍ أخرى، فعدّه «شاعر المعلّم الذي يربّي بالعاطفة كما يربّي بالعقل» (حسين، 1944، ص. 211).
فطه حسين لم يَرَ في شعر الجارم تقليدًا، بل امتدادًا للرسالة الأخلاقية للأدب العربيّ.
قال في حديث الأربعاء:
«إنّ الجارم من أولئك الشعراء الذين يُحسنون أن يجعلوا الشعر وسيلةً لتربية الأمة على الفضيلة والذوق، لا للتسلية وحدها» (حسين، 1944، ص. 213).
ويرى طه حسين أنّ سرّ جمال شعر الجارم يكمن في صفاء النفس التي تصوّر الجمال الأخلاقيّ في أبهى صور اللغة،
وأنّ لغته «نقيةٌ كالنيل، تتدفّق بغير عنفٍ ولا تصنّع».
ويُثني على قدرته في المزج بين القديم والجديد، بين الوزن الخليليّ والروح الحديثة،
إذ يقول: «لقد وُفّق الجارم إلى أن يُعيد القصيدة العربية إلى مقامها في النفوس دون أن يُفارق روح العصر» (حسين، 1944، ص. 214).
4. الرافعي: شاعر البيان والروح العربية.
كان مصطفى صادق الرافعي يرى في الجارم استمرارًا لخطّ البلاغة العربية الأصيلة،
إذ وصفه في وحي القلم بأنه «أحد أبناء العربية البررة، نَفَسُه فيها نفسُ المحبّ لا المالك،
يُكلّمها كما يُكلّم العاشق معشوقته، لا كما يُكلّم الحرفيّ أدواته» (الرافعي، 1935، ص. 119).
ويُشير الرافعي إلى أنّ شعر الجارم «يذكّر الناس بأنّ البيان العربيّ ليس تراثًا جامدًا، بل كائنٌ يتنفّس بالفضيلة والكرامة»،
ويضيف: «في قصائده حنينٌ إلى نقاء الصدر الأول، ولكن بروحٍ ترفرف على وجدان القرن العشرين» (الرافعي، 1935، ص. 120).
من هذا المنطلق، يُعدّ الجارم عند الرافعي شاعر الطهارة اللغوية والسموّ النفسيّ،
يكتب ليُطهّر النفس من شوائب الضعف،
ويجعل من الكلمة صلاةً لا صناعةً.
5. محمد مندور: شاعر الرسالة الاجتماعية.
أما محمد مندور — الناقد الواقعيّ الاجتماعيّ — فقد تناول شعر الجارم بمنهجٍ تحليليٍّ صارم،
فقال في النقد المنهجي عند العرب:
«الجارم شاعر الإصلاح الاجتماعيّ في ثوبٍ كلاسيكيٍّ مهذّب، لم ينفصل عن مجتمعه، ولم يتعالَ على قضاياه» (مندور، 1953، ص. 174).
ويرى مندور أنّ القيمة الفنية في شعر الجارم تنبع من قدرته على تحويل الفكرة الإصلاحية إلى انفعالٍ شعريٍّ صادقٍ،
فهو لا يُنظّر بل يُعاني ما يقول،
وفي ذلك يختلف عن شعراء الخطابة الذين يُكثرون من الشعارات ويقلّ فيهم الصدق الفنيّ.
كما يلاحظ مندور أن الجارم «يؤسّس لخطابٍ شعريٍّ تربويٍّ ينهض بالوجدان الجمعيّ»،
ويُعطي للشعر وظيفةً أخلاقيةً واجتماعيةً دون أن يفقده فنيّته (مندور، 1953، ص. 176).
6. النقاد العرب المعاصرون: إعادة اكتشاف الجارم
في دراساتٍ حديثة، عاد عددٌ من النقّاد العرب إلى إعادة تقييم شعر الجارم،
ومنهم شوقي ضيف (1979) الذي رآه «حلقةً وصلٍ بين كلاسيكية البارودي ورومانسية مطران»،
إذ جمع بين الإحكام والدفء، وبين البيان والترقّي العاطفيّ (ضيف، 1979، ص. 245).
أما أنور الجندي (1983) فقد أكّد أنّ الجارم «صاغ وعيًا لغويًّا للأمة العربية الحديثة»، وأنّ شعره لم يكن مجرد تقليدٍ للقدماء، بل ترميمًا لجسرٍ انقطع بين الأمة ولغتها (الجندي، 1983، ص. 162).
وفي دراسته التحليلية، يرى عبد القادر القط (1990) أن الجارم «قدّم النموذج الأعلى للشاعر الملتزم وطنيًّا دون أن يفقد ذاته الفنية»، وأنّ ديوانه «يُشكّل وثيقةً نفسيةً واجتماعيةً عن الوجدان العربيّ في مرحلة التحوّل» (القط، 1990، ص. 188).
7. تحليل تراكميّ: الجارم بين القيم والجمال.
إذا جمعنا آراء النقّاد الأربعة الكبار، وجدنا أنّ ثلاثة محاور رئيسة تتكرّر في قراءاتهم:
المحور الأخلاقيّ: وهو ما أكّد عليه طه حسين والرافعي، إذ يرون الشعر عند الجارم وسيلة إصلاحٍ وتربيةٍ.
المحور الفنيّ الجماليّ: ركّز عليه العقاد، من حيث دقّة الصياغة وسلامة الوزن والإيقاع.
المحور الاجتماعيّ والتاريخيّ: أبرزَه محمد مندور، حيث يرى الشعر انعكاسًا لحركة المجتمع.
ومن هذا التداخل تتجلّى شخصية الجارم النقدية كـ شاعر التوازن بين الجمال والوظيفة،
بين الفنّ والموقف، بين البيان والرسالة، أي شاعر الالتزام الجميل قبل أن يُصاغ مصطلح "الأدب الملتزم" نفسه.
8. الرؤية الرافعيّة الجامعة.
في ضوء هذه المرايا المتقابلة، يمكننا أن نستلهم خلاصة الرافعي في قوله:
«إنّ الشعرَ الذي يُربّي أمةً هو شعرٌ يُؤمن بالحقّ، ويُوقظ العقول، ويُعزّز البيان في النفوس،
فإذا اجتمعت هذه الخصال في شاعرٍ، فذلك هو نبيّ الكلمة، وعليّ الجارم من هؤلاء» (الرافعي، 1935، ص. 122).
بهذا المعنى، يُصبح الجارم صوتَ الضمير العربيّ الذي حمل رسالة الجمال والإصلاح معًا،
وأثبت أن الكلمة، حين تُؤمن بالحقّ، تغدو عملًا من أعمال التاريخ.
9. خلاصة الفصل.
من خلال مرايا النقد الكبرى، يتّضح أنّ علي الجارم قد احتلّ موقعًا فريدًا في الأدب العربي الحديث:
فهو عند العقاد عقلٌ منضبط،
وعند طه حسين وجدانٌ مربّي،
وعند الرافعي روحٌ بيانيةٌ خالدة،
وعند مندور ضميرٌ اجتماعيٌّ متّزن.
وهكذا تتكامل صورته في الوعي النقديّ بوصفه شاعر الفضيلة الجمالية، والمربي اللغويّ، والمصلح الوطنيّ.
إنه الشاعر الذي كتب بالكلمة طريق الأمة نحو النور،
وجعل من الشعر رسالةَ يقظةٍ للأجيال.
الفصل السابع: الاستنتاج العام والخاتمة التحليلية.
«ما الشعرُ إلا روحُ الأمة إذا نطقت، ولسانُها إذا سكتت، وسلاحُها إذا نُزعت سيوفها.» (الجارم، 2017، ص. 19).
1. تمهيد: معنى الخاتمة في مشروع الجارم.
حين نبلغ ختام هذه الدراسة، نُدرك أن علي الجارم لم يكن شاعرًا عابرًا في سجل النهضة العربية،
بل كان ضميرًا لغويًّا وتاريخيًّا وإنسانيًّا، أعاد للشعر وظيفته العليا: أن يكون نبض الأمة وفكرها وصورتها الروحية.
لقد رأيناه في الفصول السابقة شاعرًا بنيويًّا في نسق التعبير، سيميائيًّا في الرمز، تفكيكيًّا في جدله، نفسيًّا في وجدانه، اجتماعيًّا في موقفه، وتاريخيًّا في رسالته.
فما من مدرسة نقدية إلا وجدنا له فيها حضورًا، وما من زاوية إنسانية إلا بلغها بروحه الصافية وقلمه الواعي.
2. البنية الجمالية والفكرية في شعر الجارم.
يتميّز شعر الجارم ببنيةٍ تقوم على ثلاثية الفنّ والفكر والفضيلة.
فهو لم يُغرق في التجريب اللفظيّ كما فعل بعض معاصريه، ولم يقف عند حدود الوعظ النثريّ،
بل صاغ الفكر في قوالب الجمال، وصاغ الجمال بروح الأخلاق.
وهذه الخاصية هي التي جعلت شعره متوازنًا بين "المضمون" و"الأسلوب"، فلم يكن الأسلوب فيه زخرفًا، ولا الفكرة فيه تجريدًا.
يقول في العروبة:
عروبةُ المجدِ أنتِ الفجرُ إنْ أُطفِئتْ،
نارُ الهدى في الدروبِ، فالحرفُ موّارُ (الجارم، 2017، ص. 76).
إنّ هذا المزج بين الحرف والفجر، بين الكلمة والنور،
يعبّر عن إيمان الجارم بالكلمة كقيمةٍ خالقةٍ للواقع،
وهو ما يتقاطع مع ما ذهب إليه رولان بارت (1970، ص. 87) من أن النصّ الشعريّ «فعلُ ولادةٍ جديدةٍ للغة».
3. الشعر بوصفه أداة وعي وتنوير.
من خلال التحليل الاجتماعيّ والنفسيّ، يتبيّن أن الجارم لم ينظر إلى الشعر على أنه ترفٌ جماليّ،
بل وسيلةٌ لتربية الذوق العام وتهذيب الضمير الجمعيّ.
فهو شاعر الرسالة التي لا تنفصل عن الجمال، والمصلح الذي يُعلّم بالوجدان قبل البرهان.
وفي ذلك يلتقي مع مفهوم محمد مندور (1953، ص. 176) للأدب الملتزم، الذي يجمع بين الفنّ والوظيفة.
ولعلّ هذا هو ما جعل شعر الجارم — كما قال طه حسين (1944، ص. 214) — "أدبًا يُهذّب الأمة ويصوغ وجدانها بصدقٍ وجمال".
4. الأصالة والمعاصرة في شعر الجارم.
تُظهر المقاربة البنيوية والتاريخية أن الجارم جمع بين التراث والحداثة دون صدامٍ بينهما.
فهو من جهةٍ ينهل من معين العربية القديم،
ومن جهةٍ أخرى يعبّر عن تطلّعات الإنسان الحديث.
إنه يُعيد إنتاج الكلاسيكية لا بتقليدها، بل ببعثها في ضوء العصر.
وهو ما جعل شوقي ضيف (1979، ص. 245) يعدّه "جسرًا بين البارودي ومطران"،
أي بين الصياغة التراثية والوجدان الحديث.
5. الجارم والهوية العربية.
في ضوء التحليل السيميائيّ والتفكيكيّ، تتّضح رموز الجارم الكبرى:
الوطن = الأم، النور = الوعي، الكلمة = الخلاص.
وهذه الرموز ليست فرديةً، بل تنتمي إلى ما سمّاه يونغ (2004، ص. 91) «اللاشعور الجمعيّ للأمة».
لقد جعل الجارم من الشعر فعلاً لهويّةٍ لغويةٍ وحضاريةٍ،
إذ أدرك أن اللغة ليست أداة تواصلٍ فحسب، بل وعاء الوعي العربيّ نفسه.
يقول في أنا اللغة العربية:
أنا لغةُ الضادِ في محرابها،
سجد البيانُ، وكبّرَ الفكرُ (الجارم، 2017، ص. 58).
في هذا البيت نرى تماهياً بين اللغة والدين، بين المقدّس والجماليّ،
كأن الجارم يريد أن يقول: «من يعبد الجمال في اللغة، يعبد الحقيقة في القلب.».
6. قراءة تراكمية لمناهج النقد في ضوء الجارم.
بعد تحليل شعره في ضوء المدارس النقدية الحديثة، يمكن تلخيص ملامح موقعه في كلّ اتجاه:
- المنهج النقدي البنيوي تمثّل الجارم له من خلال انتظام الشكل الموسيقيّ والوزن، ترابط البنية اللفظية؛ والخلاصة أنّه شاعر النظام والإحكام.
- المنهج النقدي السيميائي تمثّل الجارم له من خلال الرموز الكبرى (الأم، النور، البعث) بوصفها إشارات ثقافية جماعية؛ والخلاصة أنّه شاعر العلامة والرمز الجمعيّ.
- المنهج النقدي التفكيكي تمثّل الجارم له من خلال تعدّد المعنى وتجدّده بين الحضور والغياب؛ والخلاصة أنّه شاعر النصّ المتحوّل.
- المنهج النقدي النفسي تمثّل الجارم له من خلال صراع الأنا والهوّ، والحنين والفقد؛ والخلاصة أنّه شاعر الوعي الجمعيّ والقلق النبيل.
- المنهج النقدي الاجتماعي تمثّل الجارم له من خلال الدعوة إلى الإصلاح والعلم والنهضة؛ والخلاصة أنّه شاعر الموقف الأخلاقيّ.
- المنهج النقدي التاريخي تمثّل الجارم له من خلال توظيف الشخصيات التاريخية رموزًا للضمير؛ والخلاصة أنّه شاعر الذاكرة الحيّة.
وهذا التنوّع في استيعاب المناهج يُثبت أن شعر الجارم يملك قابلية التأويل المستمرّ، لأنه صادق في جوهره الإنسانيّ، وعميق في لغته الدلالية.
7. شعر الجارم في ضوء مدارس النقد العربي الكلاسيكية.
من خلال مقارنة آرائه مع نقّاد الأدب العربيّ الكبار،
نجد أنه يمثّل امتدادًا لمدرسة العقاد الفكرية، واستجابةً لرسالة طه حسين التربوية، وتجسيدًا لبلاغة الرافعي، وتأصيلًا لرؤية محمد مندور الواقعية. فهو عند العقاد شاعر الانضباط، وعند طه حسين شاعر الأخلاق، وعند الرافعي شاعر البيان، وعند مندور شاعر المجتمع.
وهكذا تتكامل صورته كـ شاعر النهضة بمفهومها الكلّيّ: نهضة الفكر واللغة والضمير.
8. الجارم والخلود الفنيّ.
إنّ الخلود في الشعر لا يكون بطول القصائد، بل بعمق الإحساس وصدق النغمة.
وقد أدرك الجارم هذا المعنى حين قال:
إذا استطاعت هذه الأشعار أن تزيد بناء العربية صفًّا، فقد بلغت المنى (الجارم، 2017، ص. 17).
لقد بلغ المنى فعلاً؛
فديوانه ما يزال حيًّا لأنّه لم يكتب الزمن، بل كتب الإنسان في الزمن،
ولأنّه لم يُغنّ الماضي، بل جعل من الماضي إيقاعًا للمستقبل.
فهو شاعرٌ كتب «العربية وهي تنهض من كبوتها»،
وجعل من الكلمة طاقةَ بعثٍ للأمة لا مجرّد فنٍّ للغناء.
9. الاستنتاج العام.
يتبيّن من الدراسة أنّ شعر علي الجارم:
يحقّق الوحدة بين الأصالة والتجديد، فهو كلاسيكيٌّ في الشكل، حديثٌ في الرؤية، أخلاقيٌّ في الهدف، وجماليٌّ في الأداء. يتّسم بالصدق النفسيّ والاجتماعيّ، إذ يصدر عن إحساسٍ جمعيٍّ صادقٍ لا عن تكلّفٍ خطابيٍّ. يمتلك بناءً فنيًّا متماسكًا، حيث تتناغم الموسيقى الداخلية مع الصورة والمعنى، في توازنٍ قلّ نظيره. يعبّر عن وعي لغويٍّ فريد،
يجمع بين جزالة القدماء وسلاسة المحدثين، في انسجامٍ يجعل لغته حيةً ناطقةً بالروح. يحمل رؤية إصلاحية تربوية،
تتوخّى إصلاح المجتمع بالبيان، وتحرير النفس بالعلم والإيمان.
10. خاتمة الدراسة.
يا علي الجارم، يا من جعلت الكلمة وطنًا للروح، كتبتَ فصارت لغتك صلاةً على لسان الأجيال، وغنّيتَ فصار شعرك نورًا في دروب الأمة. لم تكن شاعرًا في ديوانك وحده، بل كنتَ ديوانًا في شاعرٍ واحدٍ. لقد برهنتَ أن الشعر يمكن أن يكون عقلًا وضميرًا معًا، وأنّ البيان العربيّ لا يموت ما دام في الأمة قلبٌ يحسّ بالكلمة ويفهم الجمال.
وهكذا يبقى ديوانك شاهدًا على أنّ الأدب لا يُخلّد بالشكل، بل بالصدق، ولا بالوزن، بل بالرسالة.
قائمة المراجع (وفق APA 7th)
- بارت، رولان. (1970). لذة النص (ترجمة عبد السلام بنعبد العالي). بيروت: دار توبقال.
- بيرس، تشارلز ساندرز. (1931). Collected Papers. Harvard University Press.
- تِين، هيبوليت. (1864). تاريخ الأدب الإنجليزي. باريس: لايبزيغ للنشر.
- دريدا، جاك. (1998). الكتابة والاختلاف (ترجمة كمال عبد اللطيف). الدار البيضاء: أفريقيا الشرق.
- ضيف، شوقي. (1979). المدارس الأدبية الحديثة. القاهرة: دار المعارف.
- سيد قطب. (1948). النقد الأدبي الأصيل. القاهرة: مكتبة مصر.
- سوسير، فردينان دي. (1916). محاضرات في علم اللغة العام. باريس: جامعة جنيف.
- فروم، إريك. (1956). الهروب من الحرية. نيويورك: هولت للنشر.
- فرويد، سيغموند. (1999). تفسير الأحلام. القاهرة: دار المعارف.
- غولدمان، لوسيان. (1964). نحو سوسيولوجيا للرواية. باريس: دار سوي.
- الجارم، علي. (2017). ديوان علي الجارم. لندن: مؤسسة هنداوي.
- الجندي، أنور. (1983). أعلام النهضة العربية الحديثة. القاهرة: دار الفكر العربي.
- الرافعي، مصطفى صادق. (1931). تاريخ آداب العرب. القاهرة: مطبعة المدني.
- الرافعي، مصطفى صادق. (1935). وحي القلم. القاهرة: مطبعة المدني.
- العقاد، عباس محمود. (1955). الديوان في الأدب والنقد. القاهرة: مكتبة النهضة المصرية.
- العقاد، عباس محمود. (1955). شعراء مصر وبيانهم. القاهرة: دار المعارف.
- القط، عبد القادر. (1990). الاتجاه الوجداني في الشعر العربي الحديث. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب.
- كريستيفا، جوليا. (1980). علم النص. بيروت: دار الفكر المعاصر.
- لوكاتش، جورج. (1975). نظرية الرواية. بيروت: دار التنوير.
- مندور، محمد. (1953). النقد المنهجي عند العرب. القاهرة: دار الفكر العربي.
- ياكبسون، رومان. (1960). اللغة والشعر. نيويورك: جامعة كولومبيا.
- يونغ، كارل غوستاف. (2004). الإنسان ورموزه. بيروت: دار العلم للملايين.
- حسين، طه. (1944). حديث الأربعاء. القاهرة: دار المعارف.
استكملت الدراسة بتاريخ الأحد 3 / 11 / 2025 م.
mohammedalbordene@gmail.com
962776537021

Comments

Popular posts from this blog

الف لاء و نعم .. بقلم: شُــذور الأدب

أضداد بقلم: الطيب عمر السنوار

تأملات في وجه الوطن: Julia Alshikh

أمطار تشرين...محمد الصالح بوبكر

دموع على حافة الرواية، بقلم: Fatma Shikh‎‏